أزمة الكهرباء في نواكشوط: بين الانقطاع اليومي والخلل البنيوي / المهندس الدكتور محمد ولد برار

ثلاثاء, 07/01/2025 - 17:36

شهدت العاصمة الموريتانية نواكشوط، وتحديدا في شمالها، يوم الأحد الموافق 29 يونيو 2025، سلسلة من الانقطاعات المفاجئة وغير المبررة للتيار الكهربائي، بلغ عددها ما بين عشر إلى اثنتي عشرة مرة خلال اليوم ذاته، تخللتها فترات قصيرة من إعادة التيار، قبل أن تختتم هذه المعاناة بانقطاع مطول دام أكثر من سبع ساعات متواصلة مساء يوم 30 يونيو. 
فنيا تعتبر الانقطاعات أمر طبيعي لكن عدم التحكم في عدد وزمن الأنقطاعات أمر غير طبيعي وهناك نظم ومؤشرات دولية  لضبط هذه الأنقطاعات على سبيل المثال IEEE 1366 
تحدد معيار كفاءة الشبكة من خلال 
SAIFI (System Average Interruption Frequency Index)
=العدد الإجمالي للأنقطعات لجميع الزبناء /عددالإجمالي للمشتركين

حيث يصل المؤشر 5إلى 10 أنقطاعا سنويا بالنسبة للشبكة المتوسطة 
و 10 إلى  50 أنقطاع سنويا بالنسبة للشبكة الضعيفة

و رغم الجهود التي تبذلها الدولة والسلطات  لتحسين الولوج إلى هذه الخدمة الحيوية، تظل الانقطاعات المتكررة للكهرباء ظاهرة سنوية مزمنة تستدعي وقفة جادة وتدخلا مسؤولا من مختلف الجهات المعنية. فالتداعيات الاجتماعية والاقتصادية لهذه الظاهرة عميقة ومكلفة، لا تقتصر على الأفراد فحسب، بل تطال النشاط الاقتصادي برمته، وتنعكس على جودة الحياة في كافة أنحاء البلاد.

وإذا كنا نتحدث عن دولة لا تعاني من ظروف مناخية استثنائية في هذه الفترة - كالعواصف أو درجات حرارة قصوى أو أمطار غزيرة  او ما يستوجب طلب حاد للطاقة -  فكيف نفسر هذا الخلل المزمن والعجز الفني في توفير خدمة كهربائية مستقرة رغم وجود فائض في القدرة الإنتاجية في الوقت الراهن؟  وضعية يستدعي مراجعة شاملة للمنظومة الكهربائية  لتأمين للتزويد بالطاقة ،
أزمة بنيوية: ما وراء الأعطال المتكررة
من منطلق الخبرة الفنية المتواضعة في قطاع الكهرباء، يمكن الإشارة إلى مجموعة من الأسباب المحتملة التي تقف خلف هذا الاضطراب المتكرر، دون ادعاء الإحاطة الشاملة أو الخوض في التفاصيل التقنية الدقيقة، خصوصا في ظل غياب تقارير فنية أو بيانات دقيقة صادرة عن الجهات المعنية.

 

أولا، هناك صعوبات مرتبطة بشبكات الربط الكهربائي عالي الجهد (90-225kv )  سواء مع السنغال عبر خط كوربيل، أو عبر منظومة منظمة استثمار نهر السنغال OMVS،  وخط الربط بين العاصمة ومدينة نواذيبو. ويضاف إلى هذه الشبكة المتشابكة طاقة متقطعة مصدرها محطة بولنوار لطاقة الرياح، والتي تؤثر بشكل مباشر على استقرار الجهد والتردد داخل الشبكة، فضلا عن مشاريع ربط إضافية قيد الإنشاء  كخط الربط 225 ازويرات   700km  الذي قد تزيد إشكاليات  أكثر  لتدفق  الطاقة التفاعلية.

ثانيا، يبرز ضعف في بنية شبكة التوزيع داخل العاصمة، لا سيما في مستوى الجهد المتوسط، حيث يعاني النظام الحالي من سوء توزيع واختلال في الأحمال، ما يفاقم من هشاشة المنظومة ككل.

ثالثا، غياب أدوات التنبؤ بالأحمال على المديين القصير والمتوسط، ما يؤدي إلى فجوة بين الطلب والإنتاج قد تتسبب في فقدان التزامن وتشغيل غير مستقر، بل وانهيار الشبكة برمتها blackout في بعض الحالات.

رابعا، تمثل أنظمة الحماية التقنية حلقة هامة ، حيث يؤدي عدم دقة إعداداتها إلى فصل تلقائي للتيار عند أقل طارئ. كما أن بعض المعدات المستعملة قد تجاوزت عمرها الافتراضي، وتفتقر إلى الصيانة الوقائية المنتظمة.

خامسا، يعاني القطاع من ضعف الالتزام بالمعايير الفنية العالمية في تشغيل وإدارة الأنظمة الكهربائية، إلى جانب النقص الحاد في الكوادر البشرية المؤهلة، سواء من مهندسين أو تقنيين. 
ما الذي يحمله المستقبل؟

بعيدا عن التهويل، لا نبالغ إذا قلنا إن الأسوأ لم يأت بعد. بينما تكمن تعقيدات أكبر في المستقبل القريب، ما لم تتخذ إجراءات عاجلة. فإذا كانت هناك صعوبات وعجز عن تسيير ذا جودة لنظام لا يتجاوز استهلاكه 300 ميغاواط، فكيف سنواجه  وضعية يصل فيها الطلب إلى  إلى أضعاف هذا الرقم خلال العقد المقبل بفعل النمو السكاني وتغير نمط الحياة والتوسع الحضري والاقتصادي؟
ويضاف إلى هذا التحدي اتجاه الدولة نحو دمج مصادر متجددة ذات طبيعة متقطعة في مزيج الطاقة — مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح — دون وجود أنظمة تخزين أو تعويض فعالة لمواجهة التذبذبات المفاجئة في الإنتاج، والتي قد تؤدي إلى فقدان عشرات الميغاواط في لحظات حرجة.
وإذا علمنا أن الربط الكهربائي الدولي مع دول الجوار مثل مالي والمغرب والجزائر يعد أفقا استراتيجيا قادما، فإن ذلك يفرض علينا تطوير منظومة محلية صلبة، قادرة على التفاعل الإيجابي مع هذه المشاريع لا التسبب في انهيارها. 
الحلول الممكنة: هل من سبيل للخروج؟

لا يمكن تجاوز هذا الوضع الحرج دون إرادة وعزيمة مؤسسية قوية، تبدأ من رأس الهرم وتصل إلى أبسط عامل في الميدان. ومن بين الإجراءات الفنية والإدارية العاجلة التي يمكن تبنيها لضمان استقرار وأمان تزويد الكهرباء بالعاصمة:

•    إعداد خطة شاملة لإعادة هيكلة شبكة التوزيع، خاصة في مستوى الجهد المتوسط، وربطها بمشروع تحديث مدينة نواكشوط.
•    إنشاء مركز تحكم جديد خاص بالشبكة عالية الجهد، يتيح مراقبة وضبط تدفق الطاقة (load Flow ) لحظة بلحظة.
•    تطبيق إجراءات إدارية صارمة تلزم الطواقم الفنية بأقصى درجات الدقة والانضباط، مع محاسبة المقصرين.
•    الاستثمار في تكوين وتوظيف كفاءات وطنية مؤهلة، قادرة على تسيير أنظمة كهربائية متطورة.
•    وضع خطة طوارئ لتحقيق السيادة الطاقوية، واستغلال الحقول الغازية المحلية لتقليل التبعية للمنظومات الخارجية.