
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أولا: ذهب عامة الفقهاء قديما (ومن بينهم عامة المالكية) إلى وجوب التخلص من هذه المكتسبات الممنوعة؛ بدفعها لأصحابها إن علموا؛ وصرفها في أوجه الخير صدقة عنهم إن جُهلت أعيانهم.
ثانيا: رجّح بعض المتأخرين - في خصوص التائب - مذهبَ ابن تيمية في "التلطّف بالتائب" من الربا ونحوه؛ بإبقاء أمواله له في حال توبته؛ تشجيعا له وترغيبا لمثله في التوبة وتقليلا للشر بحسم مادته؛ ثم استظلالا بقوله تعالى: 《فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله》قال ابن تيمية (في تفسير آيات أشكلت، عند الحديث عن الآية) إن الله تعالى لم يقل: "فمن أسلم" ولم يقل: "فمن نزل عليهم تحريم الربا"
فهي تشمل عنده التائب من الربا. وأما قوله تعالى ذكره: 《فلكم رؤوس أموالكم》فهي في عقود الربا السارية حال التوبة!
وإلى هذا المذهب ذهب الشيخ السعدي (أظنه عند تفسير آيات الربا بالبقرة!) وأخذ به عامة من تصدى لتحوّل النظام المصرفي عامة للمطابقة مع الشريعة (تجربة السودان) أو تحوّل آحاد البنوك التقليدية لبنوك إسلامية؛ مثل الدكتور حسين حامد حسّان وعامة الهيئات الشرعية التي أشرفت على "توبة" هذه البنوك.
وعززوا رأي ابن تيمية بمرجحات مصلحية:
١. أن الحكم بمصادرة الأموال من هؤلاء "التائبين" قد يفتنهم عن التوبة ويصدّهم عنها؛ بإلزامهم بأمر مختلف فيه.
٢. وأنها ستقف حجر عثرة أمام عمليات التحول واقعا
٣. وأن إبقاء الأموال لهم سيشجع غيرهم على التوبة
٤. وأن توبتهم (ولو بالاعتماد على قول مرجوح) ستخرج الأمة من قيد الربا المحكم وإجماعيات مفسدات العقود.
٥. وستفرض حقّ الزكاة في هذه الأموال
٦. وأن القول بوجوب التخلص منها؛ لن يقود إلى التخلص منها في غالب الظنّ إن لم يكن يقينا (لا يذكرون حالة واحدة من التخلص رغم البحث والتنقيب)
٧. أن إعمال الراجح هنا مفوّت لمصالح ظاهرة؛ دون أن يفضي لمقصده. وإعمال القول المرجوح هنا مفض لمصالح واضحة بالتجربة؛ غير مفوّت لمصحة تخلص المتورع في خاصة نفسه؛ إن وجد.
هذا وقد توسّط معيار التحوّل من المعايير الشرعية توسّطا ذكيا؛ فأوجب التخلص ديانة على المساهمين (المالكين) ولم يلزم به المؤسسة التائبة؛ محافظة عليها من الانهيار؛ لتعطي أنموذجا مغريا للمؤسسات التقليدية؛ في خطوة لأسلمة القطاع.
ملاحظة: مبحث المسألة في الفقه المعاصر هو في نازلة: "تحوّل البنوك التقليدية إلى مصارف إسلامية" وفي فرع: "التخلّص من الإيرادات الممنوعة قبل قرار التحوّل".
والله تعالى أعلم
د. محمدٌ محمد غلام
.jpg)












