وطنٌ ينهشه الغدر من الداخل ذ.د محمد گوف الشيخ المصطف

جمعة, 12/26/2025 - 17:19

لماذا تعتمد الشعوب الأخرى، في تحقيق أهدافها الكبرى، أساليبَ الأمانة والصدق والوفاء، بينما يعتمد شعبُنا نحن، في تحقيق أهدافه، على الكذب والخيانة والغدر؟

وهو ما يصدّق مقولة محمد عبده:
«ذهبتُ إلى ديار الكفر فوجدتُ مسلمين بلا إسلام، وعدتُ إلى بلاد المسلمين فوجدتُ مسلمين بلا إسلام»،
أو كما قال كارودي:
«الحمد لله الذي عرّفني الإسلام قبل أن يعرّفني المسلمين».
أعتقد أن من أسباب ذلك عندنا أن شعبنا، قبل الإسلام، كان معزولًا عن العالم الحديث، يعتمد في تنقله وسكنه وكافة وسائل حياته على أدوات بدائية. غير أنه بعد الاستقلال فتح عينيه على حياة مختلفة ومبهرة لدى الأمم والشعوب الأخرى: وسائل نقل جوية وبرية وبحرية حديثة، ومنازل جميلة، وشقق وأبراج عالية بتخطيط مبهر، وأثاث أخّاذ، وسفرات خارجية ممتعة تطوف بمختلف عواصم الدول المتقدمة.
وقد وجد نفسه في هذه الحالة داخل محيطٍ يغلب عليه الفقر والجهل، مع غياب أسباب الطفرات المالية السريعة، كالنّفط أو التكنولوجيا المتقدمة. إلا أن شغفه باقتناء تلك المقتنيات العصرية العالمية شكّل لديه دافعًا لارتكاب كل المخاطر والصعاب، ولو أدّى به ذلك إلى الموت أو اتباع أرذل الوسائل وأكثرها فحشًا واستنكارًا.
ومن ذلك تهديد جماعات مسلحة بالقوة العسكرية المنظمة للوصول إلى ما هو متاح من ثروة الشعب، أو الاستيلاء على السلطة السياسية، إلى جانب استخدام الأفراد للسلاح الأبيض ضد الأبرياء، والسطو عليهم لسلب ممتلكاتهم، أو التحايل والكذب والغش عليهم من طرف محتالين آخرين.
ووصل الأمر إلى أن أصبح الوطن برمّته محلَّ بيعٍ للأجنبي من طرف سدنة باعة الكذب والتزوير والتفرقة، المندسين الذين يحتمون منا بحمل جنسية وطنية مزوّرة.
كل ذلك بهدف تجميع المال اللازم للحصول على الثروة المطلوبة، للوصول إلى حيازة مقتنيات الشعوب المتقدمة، واللحاق بترفهم. ورغم أن هذه المناهج، التي باتت شائعة في بلادنا، قد تأتي في البداية بهذه المغريات للقائمين بها، إلا أن عواقبها تؤول دائمًا عليهم، إمّا بالقتل أو السجن، وغالبًا ما يكون ذلك بفعل بعض العصابات المتآمرة في الأصل ضد بعضها البعض. وبعد أن كانت الثقة بين أفرادها السمة الغالبة، أصبحت طبيعة الغدر والخبث والأنانية المستشرية في صفوف شعبنا تعلو على كل ثقة ومودة.
وهنا تصدق علينا أقوال الشعراء:
حسبتك خِلًّا ودودًا فوجدتك خلًّا ودودا
طمعتُ بليلى أن تطيع وإنما
تقطع أعناق الرجال المطامع
ومن المحزن أن هذه الرذائل، ما لم تُواجَه بعقوبات رادعة، فإنها ستتأصل ويصعب علاجها،
فإن تكنِ الطباعُ طباعَ سوءٍ
فلا أدبٌ يفيد ولا أديبُ.
وبالإمعان أكثر في أسلوب حياتنا الوطنية الحالية، نجد أن أكثر عمليات الغدر والخيانة جاءت من صديق لصديقه، أو من قريب لقريبه، أو من أحد مكوّني الأسرة ضد الآخر، أو من أحد أطراف المعاملة ضد من كان محل ثقته.
وهذه، لعمري، كارثة يجب تغييرها عاجلًا غير آجل.
ذ/ د. محمد كوف الشيخ المصطفى العربي