عيسى ولد اليدالي يكتب : الانتخابات النقابية… تتويج لمسار إصلاحي يؤسس لشراكة اجتماعية وقانونية جديد*

اثنين, 11/03/2025 - 09:22

شكّلت الانتخابات النقابية التي أُجريت يوم السبت الماضي في موريتانيا، والمتعلقة بعمال القطاع العام، محطةً مفصلية في مسار إصلاح الحقل العمالي وتحديث منظومة العمل النقابي. وتمثل هذه المرحلة الخطوة الأخيرة من العملية الانتخابية الشاملة، نظرًا لكون موظفي القطاع العام يشكلون الكتلة العمالية الأكبر في البلاد، بما يزيد على خمس القوة العاملة الوطنية.
وبذلك تكون موريتانيا قد استكملت بناء منظومة تمثيلية متكاملة تضمن تمثيلًا حقيقيًا ومنظمًا لكل فئات الشغيلة.

 

تأتي هذه الانتخابات في إطار الرؤية الإصلاحية لفخامة رئيس الجمهورية السيد محمد ولد الشيخ الغزواني، الهادفة إلى ترسيخ الثقة بين الدولة وشركائها الاجتماعيين، وإرساء ثقافة الحوار بدل الصراع، والشراكة بدل التجاذب. فهي ليست مجرد اقتراعٍ إداري لتحديد التمثيلية، بل إصلاح مؤسسي يكرّس الشرعية النقابية ويؤسس لحوار اجتماعي فاعل ومسؤول.

 

وقد جاءت العملية ثمرةً لمسارٍ طويل من التشاور والتحضير، قادته الحكومة تنفيذًا لبرنامج معالي الوزير الأول المختار ولد أجاي. وبدأ هذا المسار بجهود وزير العدل الحالي، وزير الوظيفة العمومية والعمل السابق السيد محمد ولد أسويدات، الذي أطلق ورش إصلاح المنظومة النقابية ووضع الإطار القانوني والتنظيمي المتدرج والذي مكّن من تنظيم هذه الانتخابات وفق معايير واضحة وشفافة.
وقد واصلت معالي الوزيرة مريم بيجل نفس النهج تحت التوجيهات السامية لفخامة الرئيس، حتى وصلت العملية إلى مرحلة النضج والتطبيق العملي، في أجواءٍ طبعتها الشفافية والمسؤولية والانضباط.

 

وتتميّز هذه الانتخابات بطابعها القانوني والمؤسسي، إذ ستترتب عليها خطوات عملية بالغة الأهمية، أبرزها توقيع اتفاقيات جماعية وقطاعية جديدة بين الدولة والشركاء الاجتماعيين، بعد أكثر من خمسين عامًا من آخر اتفاقية جماعية للشغل الموقعة سنة 1974. كما ستُسهم في تفعيل الهيئات الاستشارية الثلاثية التي ظلت معطّلة بسبب غياب الشرعية التمثيلية للعمال، ما سيسمح بإعادة إطلاق الحوار الاجتماعي ضمن مؤسسات قانونية فاعلة.

 

وإلى جانب بعدها الوطني، تُعدّ هذه الخطوة ذات أثرٍ دولي معتبر، إذ ستُسهم في تحسين تصنيف موريتانيا لدى منظمة العمل الدولية (OIT)، لتلتحق بصفّ خمس دول إفريقية فقط تمتلك منظومة تمثيلية نقابية نزيهة وفاعلة. وهو إنجاز يعكس التزام موريتانيا بتطوير الحوكمة واحترام معايير العمل الدولية، ضمن مسارٍ إصلاحيٍّ متدرّج يقوده فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

 

أما نتائج الاقتراع، فقد عكست بوضوح ثقة الشغيلة في المركزيات النقابية القريبة من الأغلبية الحاكمة، وفي مقدمتها اتحاد العمال الموريتانيين (UTM) برئاسة الوزير السابق الكوري ولد عبد المولى، الذي حقق فوزًا واسعًا في أغلب القطاعات الحيوية. ويترجم هذا الاتجاه التفاف القواعد العمالية حول الخط الوطني الداعم للإصلاح والاستقرار، وإيمانها بأن الإصلاح الحقيقي لأوضاع العمال لا يمكن أن يتحقق إلا في ظلّ قيادة وطنية جامعة تُجسّدها رؤية فخامة الرئيس.

 

وبتنظيم هذه الانتخابات، تكون الحكومة قد أرست الأسس العملية للتعامل مع ممثلي الشغيلة الشرعيين في إطارٍ قانوني ومؤسسي واضح، يوجّه الحوار الاجتماعي نحو نتائج ملموسة ومستدامة. فهي مكسبٌ للدولة التي باتت تتعامل مع شركاء موثوقين، وللنقابات التي استعادت شرعيتها، وللعمال الذين أصبح صوتهم يُعبّر عنه عبر مؤسساتٍ منتخبة ديمقراطيًا.

لقد أكدت التجربة أن النهج الهادئ والممنهج الذي اعتمده فخامة الرئيس في مجالات العدالة الاجتماعية والحوكمة والشفافية بدأ يؤتي ثماره في قطاع العمل والعلاقات المهنية، حيث أصبحت الشرعية النقابية اليوم رافعةً للتنمية بدل أن تكون ساحةً للتجاذب السياسي.

 

إن ما تحقق يوم السبت هو انتصار للمنهج الغزواني في بناء الثقة وترسيخ الحوار الاجتماعي، وخطوة متقدمة على طريق تعزيز السلم الاجتماعي وتحسين بيئة العمل، وتمكين الشغيلة الوطنية من أداء دورها كشريكٍ تنمويٍّ فاعل في مشروع الدولة العادلة والمتوازنة التي يقودها فخامة الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.

أحمد عيسى اليدالي