
المشروع السعودي يتفوق على اغتيالات أوروبا
في صيف كروي مشحون بالجدل، جاءت إجابة الدوري السعودي واضحة وصاخبة في سوق الانتقالات، ليبرهن أنه ليس مجرد وعود على الورق، بل مشروع يفرض نفسه على خريطة كرة القدم العالمية.
المشروع السعودي يثبت نفسه عامًا تلو الآخر، بأن رغبته في مقارعة الدوريات الأوروبية لم تكن مجرد فكرة عابرة، بل هي رؤية استراتيجية تُبنى بخطوات واثقة، وصفقات مدروسة، واستثمارات ضخمة تهدف إلى صناعة دوري يُجبر العالم على التوقف أمامه.
مفاجآت بالجملة
كالعادة واجه المشروع السعودي العديد من الانتقادات قبل بداية الميركاتو، بسبب استقطاب النجوم من مختلف أندية العالم.
وما جعل الأمور أكثر إثارة، هو نجاح الأندية السعودية في حسم صفقات لم تكن متوقعة بأي شكل من الأشكال، وعلى رأسها تعاقد النصر مع الثلاثي الأجنبي المتمثل في الفرنسي كينجسلي كومان والبرتغالي جواو فيليكس والإسباني إنيجو مارتينيز.
تلك الصفقات كانت كفيلة لتوجيه ضربة مباغتة لجماهير الكرة الأوروبية، خاصة وأن فيليكس كان أحد أهم المواهب التي سطعت في السنوات الأخيرة، حتى وإن تراجعت مسيرته، ولكنه يظل لاعبًا بارزًا.
وبعد أن كان قريبًا من العودة لبنفيكا، قرر الانضمام للنصر، ثم تمكن "العالمي" من خطف مارتينيز الذي كان أحد أهم ركائز الخط الخلفي لبرشلونة في الموسم الماضي.
وفي ظل الأزمة الهجومية التي يعاني منها بايرن ميونخ، فقد تمكن النصر من ضم كومان ليدعم الكتيبة الهجومية، تحت قيادة المدرب البرتغالي جورجي جيسوس الذي كان مرشحًا لتدريب البرازيل.
أما الهلال، فقد خطف الفرنسي ثيو هيرنانديز، نجم ميلان، وأحد أفضل الأظهرة اليسرى في العالم، بالإضافة للأوروجواياني داروين نونيز من ليفربول.
والمفاجأة الأبرز، تمثلت في هداف النسخة الماضية من الدوري الإيطالي، وهو ماتيو ريتيجي، الذي انضم للقادسية، بعد أن كان هدفًا للعديد من الأندية الأوروبية.
الاستغلال مرفوض
صحيح أن الأندية السعودية دفعت مبالغ كبرى لحسم الصفقات الجديدة، ولكن الاختلاف الواضح في الميركاتو المُنتهي، هو التحول الكبير في عقلية المفاوض السعودي.
فهد بن نافل، رئيس نادي الهلال السابق، هو أول من تحدث عن ذلك الأمر خلال مشاركة "الزعيم" بمونديال الأندية، حيث أكد وقتها أن ناديه يعمل على أكثر من صفقة وتراجع عن أخرى، بسبب رفض استغلال أندية أوروبا.
وألمح الرئيس الذهبي إلى الاستغلال الواضح من الأندية الأوروبية ولاعبيها، بفرض مبالغ ضخم، عندما يظهر أي نادٍ سعودي في المفاوضات، وهو ما تم رفضه خلال الفترة الماضية.
الهلال والنصر حاولا ضم عدة أسماء أخرى، يأتي على رأسها الثنائي البرتغالي برونو فيرنانديز (مانشستر يونايتد) وبرناردو سيلفا (مانشستر سيتي)، لكن المغالاة في الأسعار والرواتب الشخصية، تسببت في فشل المفاوضات.
كما سعت بعض الأندية للتعاقد مع المدافع الإسباني المخضرم سيرجيو راموس في أكثر من مناسبة، غير أن المطالب المالية المرتفعة التي وضعها حالت دون إتمام المفاوضات.
هذا وبالإضافة إلى المهاجم السلوفيني بينجامين سيسكو الذي ارتبط بالانضمام للهلال قبل نونيز، ولكن لايبزيج طلب الحصول على 90 مليون يورو، وهو ما دفع الزعيم للانسحاب.
وفي الوقت ذاته، تم بيعه لاحقًا إلى مانشستر يونايتد بحوالي 76 مليون يورو، ما يوضح الاستغلال الواضح للأندية السعودية التي أصبحت على دراية تامة بالوضع، بعد الانغماس في سوق الانتقالات في كل موسم.
اتجاه سائد
أصبح الاتجاه السائد هو التعاقد مع صفقات شابة أو في منتصف العشرينات على عكس بداية المشروع، الذي شهد ضم لاعبين تجاوزا الثلاثينات.
وشهد الميركاتو الصيفي، استقطاب مواهب أوروبية لامعة، كان من المقرر أن تستمر في ملاعب القارة العجوز، مثل الثنائي الفرنسي إنزو ميلوت وفالنتين أتانجانا اللذين انضما لأهلي جدة.
كذلك، قرر الأهلي ضم البرازيلي الشاب ماتيو جونسالفيس، ليصل مجموع الصفقات الثلاثة إلى 64 مليون يورو.
ويتشابه الوضع مع اتحاد جدة الذي قرر توفير أمواله، بضم 3 صفقات شابة، متمثلة في البرتغالي روجر فيرنانديز والصربي كارلو سيميتش والمالي محمدو دومبيا، مقابل 54 مليون يورو فقط.
كذلك، قرر الهلال التعاقد مع الثنائي الشاب يوسف أكتشينيك وماتيو باتوييه، من أجل تسجيلهما في قائمة المواليد، رغم أنهما كانا يسطعان مع فنربخشة وأولمبيك ليون.فضلاً عن هيرناديز، بجانب ريتيجي (القادسية) وجواو فيليكس (النصر)، وهي أسماء في منتصف العشرينات، لدعم أنديتها لعدة سنوات مقبلة.
اغتيالات أوروبا
رغم سيل الاغتيالات المعنوية التي انهالت من أوروبا على التجربة السعودية، من تشكيك في جدوى المشروع، وغيرها من الأمور، إلا أن الدوري السعودي يتقدم عامًا تلو الآخر.
وعلى مدار الموسمين الماضيين، عانى المشروع السعودي من انتقادات مدربين وأسماء أوروبية لامعة، أبرزها الألماني توني كروس، أسطورة ريال مدريد، بالإضافة لمواطنه يورجن كلوب، مدرب ليفربول السابق.
لكن في المقابل، واصل البرتغالي كريستيانو رونالدو، قائد النصر، والفرنسي كريم بنزيما، هداف الاتحاد، الدفاع مرارًا وتكرارًا عن التجربة، وغيرهم من النجوم أمثال الجزائري رياض محرز والسنغالي إدوارد ميندي، ثنائي الأهلي.
وكان الرد الأقوى على الاغتيالات الأوروبية، عندما حقق الهلال فوزًا تاريخيًا على مانشستر سيتي (4-3) في ثمن نهائي المونديال، وهو ما دفع العديد من المسؤولين واللاعبين للخروج بتصريحات نارية للحديث عن مدى جودة الأندية السعودية.
الإنجليزي إيفان توني، مهاجم أهلي جدة، أكد في وقتٍ سابق أنه كان يرغب في التعليق على ذلك الحدث، لكنه تردد خشية التعرض للانتقادات، نظرًا لانتماء مانشستر سيتي إلى بلده.
ورغم الهجوم العنيف من النجوم والصحف الأوروبية، يواصل الدوري السعودي إثبات نجاحه موسمًا بعد آخر، بقدوم أسماء جديدة، وارتفاع نسب المشاهدات، وتزايد عقود الرعاية، وغيرها من المكاسب التسويقية، ليكون ذلك أبلغ رد على المنتقدين.