الموريتانيون منشغلون بتقييم السنة الأولى من الولاية الثانية لرئيسهم الغزواني

اثنين, 08/04/2025 - 11:49

 بعد عام من إعادة انتخاب الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني لولاية ثانية في حزيران/ يونيو 2024، ينشغل الشارع الموريتاني، بكل أطيافه، بتقييم حصيلة هذه السنة الأولى، وسط سجال محتدم بين موالاة تؤكد أن البلاد حققت «قفزات غير مسبوقة» على أكثر من صعيد، ومعارضة ترى أن الإنجاز لم يتجاوز حدود الشعارات.

وبين الأرقام الحكومية، وشهادات الواقع المعيشي، يطرح المواطنون أسئلتهم عن حجم التقدم، وحدود التأخر، في مرحلة وُصفت بأنها فاصلة في مصير الدولة ومسارها التنموي.
واستعرضت الحكومة الموريتانية في وثيقة رسمية نُشرت أمس أبرز محطات السنة الأولى من المأمورية الثانية للرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مركزة على ما وصفته بتحولات نوعية في المجالات الاجتماعية والدبلوماسية والاقتصادية، في وقت أشاد فيه رئيس الحزب الحاكم بالرئيس الغزواني واعتبره «رجل الإنصاف والتآزر».
وشملت الإجراءات الاجتماعية التي أوردتها الوثيقة الحكومية، تثبيت أسعار المواد الأساسية، وتوسيع التغطية الصحية لتشمل طلاب التعليم العالي ووالدي المؤمنين، وإنشاء صندوق خاص بسكن المدرسين؛ كما تم تعزيز آليات التمييز الإيجابي لصالح الأسر الهشة، من خلال تسهيل وصول أبنائها إلى مؤسسات الامتياز وتعميم المنح الجامعية، وتسوية وضعية آلاف المتعاقدين في قطاعات خدمية أساسية.
وفي المجال الاقتصادي، توقعت الحكومة أن يسجل الاقتصاد الموريتاني نمواً بنسبة 4% خلال عام 2025، مع تراجع التضخم إلى حدود 2.5%، مدفوعة بتحسينات في التحصيل الضريبي مكنت من زيادة الإيرادات بنحو 6.8 مليارات أوقية، ما ساعد على تقليص العجز إلى 4.1% من الناتج المحلي الإجمالي. وأشارت الوثيقة إلى إصدار حزمة من القوانين الاقتصادية والإصلاحية، شملت التصريح بالممتلكات، ومكافحة الفساد، وتنظيم الشركات العمومية، إلى جانب اعتماد قوانين جديدة لتحفيز الاستثمار والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

بين موالاة تراها غير مسبوقة في الإنجازات ومعارضين يرونها غير ذلك

كما نبهت إلى تقليص الاعتماد على صفقات التراضي بشكل ملحوظ، وتحقيق تقدم في رقمنة الخدمات، من خلال منصات وتطبيقات رقمية جديدة تسهل الولوج إلى خدمات حكومية متعددة، بما في ذلك الشكاوى وتسجيل المؤسسات وطلبات الاعتماد، بالإضافة إلى تطوير تطبيقات مرتبطة بالهوية الوطنية والسجل العدلي والمخالفات المرورية.
أما في الجانب الدبلوماسي، فقد سلطت الوثيقة الحكومية الضوء على ما حققته البلاد من حضور خارجي، من خلال رئاستها للاتحاد الإفريقي وتنظيم قمة التعليم الإفريقي في نواكشوط، إضافة إلى لقاء الرئيس الغزواني بنظيره الأمريكي آنذاك دونالد ترامب، وانتخاب سيدي ولد التاه على رأس البنك الإفريقي للتنمية.
وإلى جانب تقييمات الحكومة تتباين التقييمات حول حصيلة السنة المنقضية، فهناك من يرى في السنة الماضية امتدادًا لنهج التهدئة السياسية والبناء المؤسساتي، ومن يرى أنها لم ترق بعد لتطلعات مواطن يرزح تحت وطأة أزمة معيشية متفاقمة.
ومن الناحية السياسية، يمكن القول إن السنة الأولى من الولاية الثانية اتسمت باستمرار نهج التهدئة والانفتاح على الطيف السياسي، وهي مقاربة بدأها الرئيس منذ توليه السلطة سنة 2019، وأسهمت في خفض مستوى التوتر السياسي، لا سيما بين المعارضة والسلطة.
وشهدت أولى سنوات المأمورية إطلاق حوار سياسي شامل، وإن ظل هذا الحوار مؤجلاً أو مشوش المعالم بفعل رفض معارضين بارزين المشاركة فيه، كما أنه اقتصر حتى الآن على لقاءات يجريها، منذ مارس الماضي، منسق الحوار مع الأحزاب والأطياف دون تحديد موعد محدد لانطلاقة الحوار الموعود.
وعلى الصعيد الاقتصادي، واصلت الحكومة تنفيذ البرامج الاجتماعية للتكافل والتحويلات المالية المباشرة، حيث استفادت منها آلاف الأسر الهشة، كما سُجل تقدم في مشاريع البنية التحتية الأساسية، خاصة في مجالات الكهرباء والمياه، مع التركيز على المناطق الداخلية.
وفي الحقل الدبلوماسي، استطاعت موريتانيا، تحت قيادة الغزواني، أن تعزز موقعها الإقليمي والدولي، وكان ترؤسها للاتحاد الإفريقي وانتخاب سيدي ولد التاه على رأس البنك الإفريقي للتنمية إشارتين واضحتين لمتانة الحضور الدبلوماسي للبلاد.
ورغم هذه الإيجابيات، إلا أن السنة المنقضية لم تخلُ من انتقادات جوهرية، سواء من طرف المعارضة أو من قبل مواطنين يشعرون بتنامي الضغوط المعيشية.
فقد عرفت البلاد ارتفاعًا ملحوظًا في الأسعار، لا سيما في المواد الغذائية الأساسية، في ظل غياب سياسات ضبط فعالة للأسواق.
كما أن البطالة في صفوف الشباب ما تزال تمثل معضلة، مع ضعف فرص التشغيل وغياب رؤية متكاملة لاحتواء الطاقات المعطلة.
ورغم التوسع في بعض برامج دعم التشغيل، إلا أن أثرها لا يزال محدودًا من حيث العدد والنوعية.
أما على الصعيد المؤسسي، فإن تأخر إطلاق إصلاحات جوهرية في مجالات العدالة ومحاربة الفساد، وتفعيل الهيئات الرقابية، قد أثار تساؤلات حول مدى جدية السلطة في الوفاء بوعودها المتعلقة بتكريس الحكامة الرشيدة.
وفي المحصلة، تبدو السنة الأولى من الولاية الثانية للرئيس الغزواني امتدادًا لتوجهات عامة إيجابية أرساها في مأموريته الأولى، لكنها كشفت في الوقت نفسه عن الحاجة إلى تسريع وتيرة الإنجاز، والانتقال من الوعود إلى الأفعال، خصوصًا في المجالات ذات التأثير المباشر على حياة المواطنين.
وبين سرد الموالاة لأرقام وبرامج تُحسب للسلطة، وتشكيك المعارضة في نجاعة السياسات وجدواها، يبقى تقييم المواطن العادي هو الأكثر صدقًا، وهو ما تعكسه مطالب تحسين المعيشة، وتوفير فرص العمل، وتعزيز العدالة.
ومع تبقي أربع سنوات من الولاية الثانية، يتطلع الموريتانيون إلى مرحلة أكثر فعالية، تترجم وعود الخطاب إلى وقائع ملموسة، وتعيد رسم العلاقة بين الدولة ومواطنيها على أسس من الإنجاز الحقيقي والإنصات للهموم اليومية.

عبد الله مولود

نواكشوط –«القدس العربي»