الهجرة غير النظامية والتحدي الديموغرافي في موريتانيا: مقاربة قانونية وسياسية

خميس, 07/24/2025 - 09:58

تمثل الهجرة غير النظامية من السنغال ومالي إلى موريتانيا تحديًا متفاقمًا، لا يقتصر على الجوانب الاقتصادية والأمنية، بل يمتد ليشمل المساس بالسيادة الوطنية والهوية الثقافية. في ظل التراخي المؤسسي، بدأت هذه الهجرة تأخذ طابعًا سياسيًا منسقًا، تتقاطع فيه مصالح نخب عرقية معارضة، كـ”إفلام” و”إيرا”، مع دعم ضمني من أطراف داخلية مؤثرة، أبرزها “الحركة الوطنية الديمقراطية”.  

 

أولاً: الأطر القانونية المنظمة للهجرة والسيادة الوطنية

 

يمنح القانون الدولي الدول حق السيادة على أراضيها، بما في ذلك تنظيم الدخول والإقامة والعمل للأجانب. تؤكد اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1990 بشأن حقوق العمال المهاجرين، والمادة 1 من دستور موريتانيا 1991، هذا الحق، لكن الواقع يُظهر اختلالًا هيكليًا في مراقبة الحدود وتسجيل المهاجرين السنغاليين والماليين، مما نتج عنه تمركز سكاني غير منظم داخل العاصمة ومراكز اقتصادية حيوية.

 

ثانيًا: التوظيف السياسي للهجرة وتهديد وحدة الدولة

لا تُعد الهجرة مجرد ظاهرة اقتصادية، بل وسيلة ضغط سياسي تُستغل من قبل تنظيمات ذات طابع عرقي، مثل “إفلام”، التي تدعو إلى إعادة تأسيس الدولة على أسس هوياتية. ويتزايد القلق مع دعم الحركة الوطنية الديمقراطية لهذا الخطاب، دون تحفظ، وتغلغلها داخل مؤسسات صنع القرار، بما يعزز نزعة التفكيك الثقافي للدولة، تحت غطاء التعددية.

 

ثالثًا: الهجرة وأمن الدولة الديموغرافي

 

تشير تقديرات رسمية إلى أن نسبة المهاجرين السنغاليين والماليين في مدينتي نواكشوط ونواذيبو قد تجاوزت 50% في بعض المناطق، مع تركّزهم في قطاع النقل، الصيد، والبناء. الخدمات المنزلية هذا التغير السريع في البنية الديموغرافية يشكل تهديدًا مباشرًا للهوية العربية الإسلامية للدولة، خاصة في ظل التنسيق غير المعلن لهؤلاء المهاجرين مع تنظيمات معارضة لثوابت البلاد.

 

رابعًا: المفارقة الإقليمية في التعامل مع النزعات العرقية

 

في الوقت الذي ترفض فيه دول الجوار كالسودان، ومالي، والسنغال أي نزعة انفصالية أو تعبير عرقي منظم داخل حدودها، نجد موريتانيا مطالبة – من طرف جهات داخلية وخارجية – بالتساهل مع دعوات علنية لإعادة تعريف الدولة. هذه المفارقة تطرح تساؤلات عميقة حول المعايير المزدوجة في التعامل مع قضايا السيادة.

 

خامسًا: الدور الخفي للقوى الدولية

ثمّة ما يشبه الغطاء الدولي غير المعلن لمسار اختراق الهوية الموريتانية، تقوده دوائر نافذة في الغرب، ترى في الطابع العربي الإسلامي للبلاد تهديدًا استراتيجيًا، بالنظر لمواقف موريتانيا من قضايا الاستعمار، ودفاعها عن فلسطين. وقد يكون هدف هذه السياسات هو خلق واقع ديموغرافي بديل يضعف هذا التوجه الحضاري المقاوم.

 

*سادسًا: مسؤولية الدولة وضرورات التحرك*

 

على السلطات الموريتانية إعادة ضبط العلاقة مع الحكومة السنغالية، وتحديث الاتفاقيات الثنائية بما ينسجم مع متطلبات السيادة والتنظيم القانوني للهجرة. كما يجب:

 

– إحصاء شامل للمقيمين الأجانب وتحديد أوضاعهم القانونية.  

– تقنين سوق العمل غير الرسمي.  

– مراقبة تمويل وتأثير التنظيمات السياسية المرتبطة بالخارج.  

– مراجعة الحضور السياسي والثقافي للحركة الوطنية الديمقراطية، باعتبارها طرفًا ضاغطًا في المشروع المعاكس للوحدة الوطنية.

 

خاتمة

 

لم تعد المسألة قضية هجرة غير نظامية فقط، بل اختبارًا استراتيجيًا لبقاء الدولة بوصفها كيانًا موحدًا. فتساهل الدولة أمام التغلغل الديموغرافي والسياسي، سيقود إلى خلخلة التوازن الثقافي والسياسي، ويهدد بتفجير صراعات على أسس عرقية، لا يمكن احتواؤها بعدئذ. فموريتانيا بلد عربي أصيل، به أغلبية ناطقة بالعربية، تجاوزت 92%، لا يمكن أن يُفرض عليه مسار يخالف إرادة شعبه وتاريخه.

 

 

المراجع القانونية والأكاديمية

 

1. دستور موريتانيا 1991 (المواد 1، 6).  

2. اتفاقية الأمم المتحدة لحماية حقوق العمال المهاجرين (1990).

3. اتفاقية فيينا للعلاقات القنصلية (1963).  

4. تقارير اللجنة الوطنية للسكان والهجرة، نواكشوط (2022).  

5. دراسات مركز الدراسات الاستراتيجية الأفريقية – واشنطن.  

6. Jean-François Bayart, *The State in Africa: The Politics of the Belly*.  

7. أرشيف الصحافة الوطنية حول الاحتجاجات العمالية (2023–2024).  

8. أدبيات الحوار الوطني الموريتاني (2022–2025).