نص تقرير ”هيومن رايتس ووتش” عن موريتانيا

ثلاثاء, 02/13/2018 - 08:12

ملخص

سكان موريتانيا ليسوا متجانسين تماما؛ تشكل المسائل الطائفية والعرقية مصدر العديد من مشاكل حقوق الإنسان الأكثر عمقا وحساسية في البلد.

 

يتناول هذا التقرير تعامل السلطات الموريتانية مع المنظمات التي تترافع ضد التمييز العرقي والطائفي، والرق وإرثه، وانتهاكات الماضي الجسيمة التي استهدفت جماعات إثنية معينة. ويقيس درجة حرية هذه المنظمات في التعبير عن نفسها، التجمع، والتنسيق فيما بينها، والتدابير القمعية والتقييدية التي تواجهها. تشمل هذه الأخيرة القوانين والسياسات المستخدمة لحرمان الجمعيات من الوضع القانوني والحد من أنشطتها، وفي بعض الحالات، سجن أعضائها. ويعرض التقرير أيضا حالتين بارزتين لموريتانيين متابَعين قضائيا بسبب إدانتهم للتمييز وفظائع الماضي، وهما حالتان توضحان مدى قسوة العقوبة على إثارة هذه القضايا الحساسة.

 

أشار أعضاء رفيعون في الحكومة، التقوا بوفد هيومن رايتس ووتش الزائر في مارس/آذار 2017، إلى آلاف المنظمات غير الحكومية المسجلة في البلاد كدليل على حيوية المجتمع المدني المحلي، واحترام السلطات لحقوق الإنسان. وكتب وزير العدل، إبراهيم ولد داداه، في وقت لاحق لهيومن رايتس ووتش (أنظر الملحق الثاني): "لا مضايقات للمجتمع المدني ولا تضييق على نشاطاته طالما تمت ممارستها والتعبير عنها وفقا للإطار القانوني الموضوعي والإجرائي المحدد لها". 

 

تدحض الحالات التي تم تجميعها في هذا التقرير ادعاءات التسامح هذه، وتكشف الحدود المفروضة على المعارضة. إحدى وسائل القمع هي قانون الجمعيات لعام 1964، الذي يقضي بأن تحصل الجمعيات على ترخيص من وزارة الداخلية ليكون لها وجود قانوني، والذي يمنح الوزارة أسبابا واسعة لرفض منح هذا الترخيص أو سحبه من الجمعيات التي لا تروق لها. وفقا لهذا القانون، فإن أسباب الرفض تشمل القيام بـ "دعاية معادية للوطن" أو ممارسة "تأثير مفزع على نفوس المواطنين".

 

تستطيع الجمعيات غير المعترف بها العمل ضمن حدود، لكنها تواجه عقبات ومخاطر حقيقية. على سبيل المثال، ترفض الفنادق والفضاءات العامة عموما السماح لها باستئجار قاعات للمناسبات، وتمتنع الجهات المانحة الحكومية الثالثة، مثل الاتحاد الأوروبي، عن تمويلها. كما واجه ناشطون في بعض الأحيان السجن فقط بسبب العضوية.

 

عام 2016، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يحل محل قانون عام 1964. في حال اعتماده، سيحظر المشروع تكوين أي جمعية تتهم بأنها تقوض الوحدة الوطنية. وقد استخدم المسؤولون الموريتانيون بالفعل هذا الأساس لتبرير عرقلة أنشطة الأفراد والجمعيات، مستشهدين بالمادة 1 من الدستور، التي تنص على مبدأ عدم التمييز فيما يتعلق بالأصل والعرق، وتحظر كل "دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي".

 

يعكس التنوع العرقي لموريتانيا موقعها الجغرافي، حيث تُعتبر جسرا بين المنطقة المغاربية الكبرى وغرب أفريقيا جنوب الصحراء. ويتكون السكان من 3 مجموعات عرقية رئيسية، رغم أن اختلافات وفروعا هامة تُميز بينها. تتحدث مجموعتان من هذه المجموعات، واللتان تشكلان معا حوالي 70 بالمئة  من السكان، لهجة عربية محلية تُعرف بالحسانية. تعرف المجموعة الأولى من الناطقين بالحسانية بـ البيضان، تنحدر من الغزاة العرب والبربر. والحراطين هم المجموعة الثانية والأكبر من الناطقين بالحسانية؛ تتألف في الغالب من العبيد السابقين ذوي البشرة الداكنة وذريتهم. وغالبا ما يشار إلى المجموعة السكانية الثالثة باسم "الموريتانيين الأفارقة" أو "الموريتانيين السود"، وتتألف من عدة مجموعات عرقية، لغاتها الأم أفريقية وليست العربية.

 

بصفة عامة، يميل النشطاء الحراطين إلى التركيز على مسألة الرق وآثاره اللاحقة، التي تشمل أشكالا شديدة من الاسترقاق، الفقر، الإقصاء، وعدم كفاية جهود الدولة لمعالجة هذه المشاكل. وبالنسبة للموريتانيين السود، فالانشغال الرئيسي هو ما أصبح يعرف بـ "الإرث الإنساني"، وهو تعبير ملطف عن الهجوم الذي رعته الدولة على أفراد من جماعتهم ما بين 1989 و1991 والذي شمل إعدامات جماعية، الطرد إلى السنغال، مصادرة الأراضي، وأنماطا من التمييز والاستبعاد منذ ذلك الحين. يجد العديد من الحراطين والموريتانيين السود سببا مشتركا للشكوى من الإجراءات الوطنية التي انطلقت عام 2011، لتسجيل المواطنين الموريتانيين رسميا. بحسب اتهامات البعض، تنحاز هذه العملية إلى البيضان الذين يهيمنون على الحياة السياسية والاقتصادية في موريتانيا. تنفي الحكومة أن تكون عملية التسجيل تمييزية.

 

المعاهدات الدولية لحقوق الإنسان التي صادقت عليها موريتانيا، القوانين المحلية التي اعتمدتها لحماية حقوق الإنسان، انخراطها في الآليات والإجراءات الحقوقية الأممية والأفريقية، وإمكانية الدخول المتكرر إليها، وإن كان مقيدا، الذي تمنحه لجماعات حقوقية دولية، تشير إلى التزام السلطات الموريتانية بالوفاء بالتزاماتها الحقوقية وترحيبها بخضوعها للتدقيق. لم تواجه هيومن رايتس ووتش أية عقبات خلال زيارتيها البحثيتين إلى موريتانيا في عام 2017، ومُنحت اللقاءات الحكومية التي طلبتها.

 

مجموعات الإرث الإنساني والضحايا

تعترف السلطات الموريتانية، بطريقة مبهمة وعامة، بأن عملاء الدولة ارتكبوا انتهاكات جسيمة خلال الإرث الإنساني. بيد أنها تؤكد على أنها منحت العدالة والتعويضات الكافية للضحايا، عملا بقانون العفو لعام 1993، والتدابير المتخذة منذ ذلك الحين لتعويض الضحايا والناجين، وبادرة "صلاة الغائب" التي أداها الرئيس الموريتاني.

 

جماعات الدفاع عن الضحايا، والتي تواصل التنديد بقانون العفو الذي يمنح الحصانة لمرتكبي أي انتهاكات حقوقية جسيمة خلال "الإرث الإنساني"، والتي تطالب بالمزيد فيما يتعلق بالمساءلة والتعويض وإعادة التأهيل، تواجه قيودا على أنشطتها. قال قادة "منسقية منظمات ضحايا القمع" (COVIRE)، التي تجمع أرامل العسكريين والمدنيين ضحايا أحداث 1989-1991، لهيومن رايتس ووتش إن السلطات عرقلت مرارا وتكرارا جهودهم لإحياء ذكرى المذابح، الإعدامات، والاختفاء القسري التي ارتكبت خلال تلك الفترة، من خلال حرمانهم من الترخيص الذي يجب أن يحصلوا عليه لتنظيم النشاط، أو بتفريق مظاهراتهم.

 

قضايا حرية التعبير

توضح محاكمتان حديثتان لجرائم التعبير القمع الشديد التي تكون السلطات مستعدة لاستخدامه لمعاقبة الذين يتحدثون بشكل نقدي عن التمييز داخل المجتمع الموريتاني.

 

سُجن مدون موريتاني، محمد الشيخ ولد امخيطير، منذ يناير/كانون الثاني 2014. وفي ديسمبر/كانون الأول من ذلك العام، أدانته محكمة أدنى بالزندقة وحكمت عليه بالإعدام، وهي عقوبة أيدتها محكمة الاستئناف. بعد أن أمرت المحكمة العليا بإجراء محاكمة جديدة، خفضت محكمة الاستئناف في 9 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 عقوبته إلى عامين في السجن، وهي العقوبة التي قضاها بالفعل، وغرامة. استأنف المدعي العام هذا الحكم، وإلى غاية 25 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، لا يزال امخيطير، على ما يبدو، رهن الاحتجاز، ولا يُعرف مكان وجوده. جريمة امخيطير، والذي ينحدر من طبقة دنيا معروفة باسم "لمعلمين"، هي أنه كتب مقالا ينتقد فيه مواطنيه الموريتانيين الذين، حسب قوله، يقتبسون أمثلة من حياة النبي محمد لتبرير التمييز العنصري والطائفي اليوم.

 

يخضع عمر الشيخ ابيبكر، الذي تقاعد برتبة عقيد في صفوف "الحرس الوطني" في يوليو/تموز 2015، للرقابة القضائية لمدة سنتين ويواجه اتهامات بموجب قانون مكافحة الإرهاب فقط لإلقائه خطابا في نوفمبر/تشرين الثاني 2015 أدان فيه رد السلطات على الفظائع المرتكبة خلال الإرث الإنساني. قال ابيبكر إن التداعيات القاسية التي واجهها سببها الرسول كما الرسالة: فهو أحد البيضان القلائل – بل ما يجعله أكثر ندرة هو أنه ضابط متقاعد – الذين يطالبون السلطات بالقيام بالمزيد للاعتراف بالإعدامات الجماعية التي ارتكبت منذ ربع قرن في صفوف زملائه الضباط الذين كانوا موريتانيون أفارقة، والتعويض عنها.

 

اعتمد البرلمان في 9 يونيو/حزيران 2017 قانونا جديدا لمكافحة التمييز يتضمن أحكاما يمكن استخدامها لسجن أشخاص للتعبير السلمي. تنص المادة 10 على ما يلي: "يعاقب بالسجن من سنة (1) واحدة إلى خمس (5) سنوات كل من يشجع خطابا يحث على الخلاف بين المذاهب والطرق الإسلامية". ويمكن تطبيق هذا المعيار الغامض على الأشخاص الذين ينتقدون بشكل سلمي الإسلام كما هو ممارس في موريتانيا، وهو ما فعله بعض النشطاء المعارضين للعبودية والتمييز.

 

مجموعات مكافحة الرق

لم تحظر موريتانيا الرق إلا في عام 1981، وجرمت هذه الممارسة في عام 2007، وأنشأت محاكم متخصصة في عام 2015 لمقاضاة قضايا الرق. تدعي السلطات النجاح في القضاء على الرق، وتقول إن التحدي اليوم يتمثل في معالجة الآثار الاجتماعية والاقتصادية المستمرة أو "إرث" الرق.

 

تحدت كل من الجمعيتين غير الحكوميتين الموريتانيتين الرئيسيتين المناهضتين للرق، وهما "نجدة العبيد" و"مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية" (إيرا)، هذا الخطاب الرسمي بالتأكيد على أن الرق ما زال يُمارس، وإن كانتا تختلفان في مقاربتهما. تتوفر نجدة العبيد، وهي الأقدم، على الوضع القانوني وتستخدم خطابا أكثر اعتدالا. حُرمت إيرا، الأكثر شراسة، والتي تأسست عام 2008، من الاعتراف القانوني. ويؤكد رئيسها، بيرام ولد اعبيدي، على أن العبودية، التي لم يتم القضاء عليها، تؤثر على 20 بالمئة من سكان موريتانيا، كما يدين النقص في تمثيل الحراطين وغيرهم من السود في المناصب الحكومية العليا.

 

بينما تُصرح إيرا أنها تلتزم بسياسة اللاعنف، فهي تستخدم في الغالب لغة وتكتيكات استفزازية. فعلى سبيل المثال، تشير بياناتها إلى الحكومة الحالية على أنها "عنصرية واستعبادية". وفي عام 2012، أحرق بيرام علنا كتب الفقه الإسلامي التي قال إنها تُفسَّر في موريتانيا لتبرير الرق.

 

في حين أن السلطات غالبا ما لا ترد مباشرة على البلاغات اللاذعة التي تُصدرها إيرا في الداخل وأثناء المناسبات الخارجية التي يحضرها بيرام، إلا أنها اتبعت سياسات قمعية تجاه بيرام و إيرا تعيق أنشطتها بشدة، بينما تسمح لها بالعمل في حدود معينة. رفضت السلطات معالجة طلب إيرا بالتسجيل الرسمي، وعرقلت جهودها لرعاية مؤتمرات وورشات عمل. وفي 2016 ، حلت منظمة غير حكومية تنموية كانت تسمح لأعضاء إيرا باستخدام مكاتبها. قضت المحاكم مرتين بسجن قادة إيرا منذ عام 2015 في محاكمات غير عادلة، وحتى كتابة هذه السطور، ما يزال عضوان يقضيان عقوبة السجن.

 

في شرح لرفض الاعتراف القانوني بإيرا، قال وزيرا الداخلية والعدل الموريتانيَّين لهيومن رايتس ووتش إن إيرا "تُقسم الوحدة الوطنية". وأضاف الأول أن على إيرا الاختيار بين كونها منظمة مجتمع مدني أو حزبا سياسيا، لكنها لا يُمكنها أن تكون الاثنين في نفس الوقت: عام 2014، ترشح بيرام للانتخابات الرئاسية، وجاء في المركز الثاني بعد الرئيس الحالي، محمد ولد عبد العزيز.

 

عقبات أمام الحصول على المواطنة الكاملة

في يناير/كانون الثاني 2008، شرعت حكومتا موريتانيا والسنغال في عملية رسمية لإعادة بعض الموريتانيين الذين يقدر عددهم بنحو 60 ألفا، والذين طردتهم السلطات أو هربوا إلى السنغال في عامي 1989 و1990 خلال فترة الإرث الإنساني. في مايو/أيار 2011، أطلقت السلطات الموريتانية تعدادا في كامل البلاد يهدف إلى تسجيل السكان في قاعدة بيانات بيومترية، تنظيم بطاقات الهوية الوطنية، واستكمال القوائم الانتخابية.

 

تأسست "لا تمس جنسيتي" ردا على تعداد عام 2011 وعملية التسجيل الوطنية اللاحقة، والتي تقول عنها المجموعة إنها تهدف إلى تقويض حقوق المواطنة للموريتانيين السود. قال وزراء لهيومن رايتس ووتش إن السلطات رفضت الاعتراف القانوني بلا تمس جنسيتي لأنها، مثلها مثل إيرا، "تُقسم الوحدة الوطنية". واعتبروا ما تدعيه لا تمس جنسيتي، كون عملية التسجيل تمييزية عرقيا، أنه بدون أساس. لم تدرس هيومن رايتس ووتش حيثيات هذا الادعاء. ومع ذلك، وصف المقررون الخاصون للأمم المتحدة المعنيون بالعنصرية والفقر المدقع عملية التسجيل الجارية بأنها تنطوي على تمييز ضد الحراطين والموريتانيين الأفارقة.

 

عندما نظمت لا تمس جنسيتي أول مظاهرات للاحتجاج على عملية التسجيل الجديدة في عام 2011، فرقتهم السلطات في بعض الأحيان بالقوة، بحسب قادة المجموعة، ما تسبب في إصابات ووفاة أحد المتظاهرين الشباب في بلدة ماغاما في 27 سبتمبر/أيلول 2011. ومنذ ذلك الحين، يقول قادة لا تمس جنسيتي إنهم لم يحاولوا تنظيم مسيرات جماهيرية، لكنهم تمكنوا من تنظيم احتجاجات أصغر حجما مثل الوقفات.

 

توصيات

إلى الحكومة الموريتانية

- إلغاء إدانة محمد الشيخ ولد امخيطير وإطلاق سراحه فورا دون قيد أو شرط.

- الإفراج عن ناشطي إيرا، عبد الله السالك وموسى بلال بيرام، اللذين يقضيان عقوبة السجن عامين بعد محاكمة غير عادلة، لم تحقق خلالها المحكمة في مزاعم التعذيب، ومنحهما محاكمة جديدة وعادلة، إذا اقتضى الأمر ذلك.

- إغلاق التحقيق في أي تهم ضد .عمر ولد ابيبكر تستند فقط إلى انتقاده السلمي للسلطات، ورفع القرار القضائي ضده، وإعادة جواز سفره وهاتفه المحمول وحاسوبه، والسماح له بالسفر بحرية.

- إلغاء جميع أحكام القانون الجنائي التي تنص على عقوبة الإعدام، بما في ذلك المادة 306 التي تُجرم "الزندقة"، التي ينبغي عدم تجريمها، وهي المادة التي تلقى على أساسها محمد الشيخ ولد امخيطير عقوبة الإعدام في البداية.

- إلغاء جميع أحكام قانون مكافحة الإرهاب التي يمكن أن تُستخدم، في تعريف "الإرهاب"، بشكل فضفاض وغامض، مثل التحريض على التعصب الإثني، أو العرقي، أو الديني، في محاكمة التعبير السلمي، وهي أساس التحقيق الجنائي مع عمر الشيخ ابيبكر، بعد أن أدان علنا الفظائع المرتكبة ضد الضباط الموريتانيين الأفارقة في صفوف الجيش الموريتاني ومطالبته بالمساءلة.

- إلغاء جميع أحكام قانون العفو لعام 1993، الذي يحول دون التحقيق مع المسؤولين عن الانتهاكات الحقوقية الخطيرة خلال الفترة المعروفة باسم "الإرث الإنساني" ومتابعتهم قضائيا.

- احترام الحق في التجمع السلمي من خلال السماح بالتجمعات العامة، إلا إذا كان هناك خطر واضح على الأمن القومي أو النظام العام، أو إذا كانت القيود مطلوبة بشكل خاص وفقا لضرورات الوضع. ضمان ألا يجبر المنظمون على طلب الترخيص لتنظيم مظاهرات، بل أن يخضعوا ببساطة لمتطلبات معقولة لإخبار السلطات بالاحتجاجات المخطط لها.

- ملاءمة جميع التشريعات، بما فيها المواد 57-58 من القانون الجنائي، مع أحكام قانون مكافحة التعذيب لعام 2015، الذي يمنح المعتقلين الحق في الاستعانة بمحام منذ بداية أي فترة احتجاز.

- تعديل المواد 5 و6 و9 من مشروع قانون الجمعيات لـ: إما إلغاء شرط تسجيل منظمات المجتمع المدني، أو جعل عملية التسجيل سريعة، سهلة، وغير مكلفة.

- الحد من سلطة الأجهزة الرسمية في رفض التسجيل أو حل جمعية قائمة. إلغاء أسباب حل الأنشطة المصنفة على أنها "سياسية"، أو التي تعتبر أنها "تقسم الوحدة الوطنية"، وحصر سلطة رفض أو سحب الاعتراف القانوني بالأسباب الضرورية في مجتمع ديمقراطي: مصالح الأمن القومي، أو السلامة العامة، أو النظام العام. ضمان أن يكون حل جمعية هو آخر إجراء يتم اللجوء إليه وقابل للمراجعة القضائية.

- السماح لائتلاف "أرامل الضحايا العسكريين والمدنيين في أحداث 1989-1991"، "مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية" (إيرا)، حركة لا تمس جنسيتي، وأي منظمة مجتمع مدني سلمية أخرى تقدمت بطلب، بالتسجيل رسميا.

 

المنهجية

أجرى باحثو هيومن رايتس ووتش مقابلات تُشكل أساس هذا التقرير، خلال زيارات إلى نواكشوط في فترتيّ 23-29 مارس/آذار و17-23 أكتوبر/تشرين الأول 2017. لم نواجه أي عقبات أمام تحركاتنا أو اجتماعاتنا.

 

قابلنا كبار أعضاء العديد من المنظمات غير الحكومية، بعضها معترف بها قانونا، والبعض الآخر غير معترف به، فضلا عن أعضاء "حركة 25 فبراير". التقينا بمحامي دفاع وحللنا وثائق المحكمة في قضايا متعلقة بمحاكمة نشطاء المجتمع المدني. وخلال كلا زيارتينا، قابلنا وزير الداخلية، أحمدو ولد عبد الله، ووزير العدل، إبراهيم ولد داداه، فضلا عن رئيسة "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان في موريتانيا"، إربيها بنت عبد الودود.

 

لم تقدم ھیومن رایتس ووتش أي مکافأة أو أي حافز آخر لإجراء المقابلات. أجريت جميع المقابلات تقريبا باللغة العربية أو الفرنسية، وعدد قليل منها باللغة الإنغليزية. وفي كل حالة، أوضحنا للشخص المعني كيف يمكن استخدام المقابلة وحصلنا على موافقته/ها. تشكر هيومن رايتس ووتش جميع الذين التقوا مع وفدها أو شاركوا خبراتهم عن طريق الهاتف أو البريد الإلكتروني.

 

في 11 أغسطس/آب 2017، بعثنا برسالة إلى السلطات مرفقة بأسئلة تستند إلى النتائج الأولية التي توصلنا إليها، وتلقينا ردا من وزير العدل، ولد داداه، في 27 أكتوبر/تشرين الأول 2017. أعيد طبعهما كملحق في هذا التقرير.

 

I. الخلفية

"الجمهورية الإسلامية الموريتانية"، وهي بلد بحجم ألمانيا وفرنسا مُجتمعتين، يبلغ عدد سكانها 3.81 مليون نسمة فقط في عام 2016.[1] رغم أنها صحراء في معظمها، تتوفر موريتانيا على موارد معدنية كبيرة، وأرصدة سمكية وفيرة في ساحلها الأطلسي، وأراضٍ زراعية خصبة على وادي نهر السنغال على طول حدودها الجنوبية. ويقدر نصيب الفرد من الدخل القومي الإجمالي في موريتانيا بـ 4,400 دولار أمريكي، متقدمة على السنغال (2,600 دولار) ومالي (2,300 دولار) في الجنوب والشرق على التوالي، لكنها متأخرة عن المغرب (8,300 دولار) في الشمال، وفقا لتقديرات عام 2016.[2]

 

أعلنت موريتانيا استقلالها عن فرنسا، التي استعمرتها، في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1960. سعى حكام الدولة الجديدة إلى تشكيل هوية تقوم على الإسلام، واللغة والثقافة العربيتين لسكان غير مُتجانسين عرقيا ولغويا.

 

كانت عاصمة موريتانيا، نواكشوط، بالكاد أكثر من مجرد قرية صيد بعد الاستقلال. اليوم، تمثل أكثر من ربع سكان البلد. وصف تقرير صدر مؤخرا عن المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان كيف أن "النزوح من الريف نتيجة الجفاف المتعاقب، وعدم الحصول على المياه والغذاء والعمل اللائق، فضلا عن عدم كفاية خدمات التعليم والرعاية الصحية" جعلت من نواكشوط واحدة من أسرع المدن نموا في أفريقيا.[3]

 

يعكس التنوع العرقي لموريتانيا الموقع الجغرافي للبلاد، إذ تصل المنطقة المغاربية بغرب أفريقيا جنوب الصحراء. ويتكون السكان من 3 مجموعات عرقية رئيسية، رغم أن اختلافات وفروع هامة تُميز بينها. تتحدث مجموعتان من هذه المجموعات، واللتان تشكلان معا حوالي 70 بالمئة من السكان، لهجة عربية محلية تُعرف بالحسانية. تعرف المجموعة الأولى من الناطقين بالحسانية بالبيضان، المنحدرين من العرب والبربر الذين هاجروا من الشمال والشرق. ويهيمن البيضان على النخبة السياسية والاقتصادية في البلاد.[4] يُشكل الحراطين المجموعة الثانية والأكبر من الناطقين بالحسانية. ويتألفون في الغالب من العبيد السابقين ذوي البشرة الداكنة وذريتهم. وغالبا ما يُشار إلى المجموعة السكانية الثالثة بـ "الموريتانيين الأفارقة" أو "الموريتانيون السود"، وتتألف من عدة مجموعات إثنية لغاتها الأصلية أفريقية وليست العربية.[5] البولار هي، إلى حد بعيد، الأكثر عددا، تليها السننكي، ثم عدد أقل بكثير من السكان من المتحدثين بالبمبارية والولفية.

 

وبحسب أحد المراقبين: "السود الذين تعلموا في المدارس الاستعمارية ويتحدثون بالفرنسية، شكلوا أول الموظفين من المستوى المتوسط في الإدارة الموريتانية الجديدة، في حين أن النخب العربية البربرية الضيقة البيضان، بعد فترة قصيرة من التدفق، استحوذت بسرعة على زمام السياسة بينما ظل موظفوهم من الحراطين خاضعين".[6]

 

تعتبر الغالبية العظمى في جميع هذه المجموعات نفسها من المسلمين السنة، وهو عامل ترى السلطات أنه يُوحد السكان. الاسم الرسمي للبلاد هو الجمهورية الإسلامية الموريتانية منذ الاستقلال عام 1960، ما يجعلها واحدة من أولى دول العالم التي تُطلق على نفسها اسم الجمهورية الإسلامية.

 

على الرغم من أن "الموريتانيين السود" عانوا من التمييز خلال الربع الأول من القرن منذ الاستقلال، إلا أنهم لم يواجهوا اضطهادا مُمنهجا وعنيفا إلى غاية أواخر الثمانينات تحت حكم الرئيس معاوية ولد سيد أحمد الطايع، وهو ضابط عسكري استولى على السلطة في عام 1984 في انقلاب غير دموي.[7]

 

مهدت عوامل عدة للعنف من قبل الدولة، الذي ارتقى إلى درجة التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية: محاولة انقلاب قام بها ضباط في الجيش من "الموريتانيين السود" في أكتوبر/تشرين الأول 1987؛ التوترات بين موريتانيا والسنغال والعنف بين المجتمعات المحلية من الجانبين على حدودهما المشتركة؛ والنزاعات على الأراضي المتنازع عليها بشكل متزايد في وادي نهر السنغال الخصب، التي اتخذت أيضا بعدا عرقيا.[8]

 

لم يتمكن المتهمون بالتخطيط لمحاولة الانقلاب عام 1987 من التواصل مع المحامين خلال فترة احتجازهم قبل المحاكمة التي دامت شهرا. وبعد محاكمة استمرت أسبوعين، أدانت محكمة عسكرية 44 ضابطا، من بينهم 3 حُكم عليهم بالإعدام وأعدموا. لم تكن هناك أي إجراءات استئناف.[9]

 

عام 1989، اندلعت توترات عرقية ونزاعات حول الحق في الأراضي الصالحة للزراعة والرعي على الجانبين الموريتاني والسنغالي لنهر السنغال، وتحولت إلى اشتباكات مسلحة. استخدمت الحكومة الموريتانية هذا الوضع كذريعة لبدء طرد الآلاف من البولار، الولوف، والسننكي، متهمة إياهم بأنهم سنغاليون. رافقت عمليات الطرد إعدامات خارج القانون، التعذيب، العنف الجنسي، ومصادرة الأراضي والماشية والممتلكات. وفي أواخر عام 1993، قدرت الأمم المتحدة عدد اللاجئين الموريتانيين في السنغال بنحو 52,500 لاجئ، وفي مالي بحوالي 13 ألف لاجئ.[10]

 

أدى التطهير المنسق والعنيف للسود في صفوف الجيش إلى زيادة تصعيد الوضع. وفي الفترة ما بين أكتوبر/تشرين الأول 1990 ومنتصف يناير/كانون الثاني 1991، اعتقلت السلطات قرابة 3 آلاف من الموريتانيين السود واتهمتهم بالتآمر للإطاحة بالحكومة.[11] تركزت الاعتقالات في مدن نواكشوط، نواذيبو، وألاك. وبينما كان الموريتانيون السود في صفوف الجيش هم الهدف الرئيسي، تم أيضا اعتقال موظفو الجمارك، ضباط الشرطة، الموظفين المدنيين، والمدنيين العاديين. قتل ما بين 500 و600 من الذين تم تجميعهم: توفي بعضهم نتيجة التعذيب في الحبس الانفرادي، وأعدم آخرون، العديد منهم خارج نطاق القضاء.[12]

 

في سبتمبر/أيلول 1991، قابلت هيومن رايتس ووتش ضابط صف في الجيش، وصف الفظائع التي ارتكبت في قرية إينال في نوفمبر/تشرين الثاني 1990:

 

الساعة 9 صباحا، جاء قائد قاعدة إينال مع مجموعتين من 6 أشخاص، ويحمل كل واحد منهم سوطا. بدأوا بضربنا، وقاموا بذلك من الساعة 9 إلى 11:30 صباحا. بعد ذلك أخذونا إلى مستودع حيث وجدنا أصدقاء لنا كانوا تقريبا أمواتا، أشخاص لا يستطيعون حتى الكلام. كان المكان نتنا، كما لو أن هناك جثث فقط. ثم ربطونا بالسلاسل التي كانت هناك، وضربونا كل ساعة، وسبونا، كلمات قذرة. قالوا إننا متوحشون لا ينبغي أن يكون لنا وجود، وأننا أشخاص لا يمكن أن يكونوا في موريتانيا. وقالوا لنا إنه لم يعد ممكنا أن يُوجد السود في موريتانيا، وأننا بين أيديهم، وأنهم سيقتلوننا واحدا تلو الآخر، ثم يقتلون جميع السكان الباقين، وأنهم سيقتلون جميع البالغين ويتركوا الأطفال فقط، وسيتم تعليم هؤلاء الأطفال الحسانية أو العربية. لن يكون للفرنسية، البولار، السننكي، والولوف أي وجود في موريتانيا. واصلوا تعذيبنا حتى الساعة 7 مساء. أول شخص رأيته مشنوقا أمام عيني كان جنديا يُدعى إيدي سيك. أخذوا الحبل، ووضعوه حول عنقه، وربطوه. تركوه حتى مات. كان أول شخص أراه مشنوقا. بعد ذلك، حوالي منتصف الليل، جلبوا الحبال، ونظموا 3 صفوف كل واحد من 10 أشخاص، وشنقوا 30 شخصا. كان ذلك بمناسبة عيد 28 نوفمبر/تشرين الثاني [عيد الاستقلال].[13]

في عام 1993، اعتمد البرلمان الموريتاني القانون رقم 92-93 المؤرخ في 14 يونيو/حزيران 1993، والذي منح عفوا لأفراد قوات الأمن عن أي مخالفات ارتكبوها خلال مرحلة الإرث الإنساني، وأبطل كل السجلات القضائية والتحقيقات المتعلقة بأي طرف مؤهل للعفو بموجب القانون.[14]

 

انتقدت "اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب" العفو في حكم صدر عام 2000 بشأن عدد من القضايا المرفوعة والمتعلقة بحقوق الإنسان في موريتانيا، قائلة إن "قانون العفو المُعتمد بهدف إلغاء الدعاوى أو غيرها من الإجراءات التي تلتمس الإنصاف من قبل المجني عليهم أو ذوي الحقوق، بينما لديهم قوة داخل الأراضي الوطنية الموريتانية، لا يمكن أن يحمي ذلك البلد من الوفاء بالتزاماته الدولية بموجب الميثاق [الأفريقي].[15]

 

عام 2013، انتقدت "لجنة مناهضة التعذيب" الأممية قانون عام 1993 لـ "توفير عفو شامل لأفراد القوات المسلحة وقوات الأمن". وأوصت اللجنة بتعديله من أجل "مكافحة الإفلات من العقاب فيما يتعلق بأفعال التعذيب بوسائل منها إتاحة سبل انتصاف فعالة للضحايا وذويهم".[16] عام 2015، كررت الأرجنتين هذه التوصية خلال دورة الاستعراض الدوري الشامل الخاصة بموريتانيا في "مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة"، مستشهدة بانتقادات لجنة مناهضة التعذيب في عام 2013.[17] رفضت موريتانيا التوصية الأرجنتينية.[18]

 

في 25 مارس/آذار 2009، وقع الرئيس عبد العزيز، الذي وصل إلى السلطة عبر انقلاب عسكري في أغسطس/آب 2008، اتفاق إطار ينص على تعويض حوالي 250 أرملة العسكريين الذين قتلوا.[19] وفي اليوم نفسه، قاد صلاة الغائب الجماعية في بلدة كهيدي وخصصها لذكرى الضحايا وأسرهم: "اليوم، أنا حزين وراض. حزين لأن هناك خسارة بشرية دون سبب، ولكن راض لأن الله أعطى الضحايا الشجاعة للتغلب على آلامهم... دون أي استياء".[20]

 

وكما لاحظ موتوما روتير، المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب: "رغم الصلاة من أجل المصالحة الوطنية التي قادها الرئيس، فإن الحقيقة بشأن ما حدث خلال هذه الفترة لا تزال التعامل معها على أنها "تابو" وطني، ولم يصدر حتى الآن أي تقرير رسمي حول هذه الاحداث".[21]

 

الرق

الحراطين هم موريتانيون سود ينحدرون في الغالب من الأشخاص المستعبدين من قبل البيضان ذوي بشرة أقل سمرة في الغالب.[22] وتجدر الإشارة إلى أن ليس كل البيضان يمتلكون عبيدا، كما أنهم ليسوا المجموعة الإثنية الوحيدة في موريتانيا التي مارست الرق.

 

يصف الخبراء الذين تمكنوا من إجراء بحوث بشأن هذه المسألة نموذجا راسخا للرق المحلي القائم على النسب، وهو أشبه بنماذج تاريخية للرق المحلي مقارنة بما يسمى بأشكال الرق الجديدة أو الحديثة. يكتب أحدهم:

 

نُفكر اليوم في عبودية القرن الـ 19 على أنها تُجسد العبودية "القديمة". ولكن لفهم الرق الموريتاني يجب أن نعود إلى أبعد من ذلك... إنها تُعامل العبيد بشكل أكثر إنسانية وتجعلهم أكثر عوزا على حد سواء، هذه العبودية جزء دائم من الثقافة أكثر من كونها حقيقة سياسية. ... وهي متأصلة بعمق في أذهان كل من العبيد والأسياد، ما يسمح بقليل من العنف لإبقائها مستمرة.[23]

اليوم، هناك تباين كبير بشأن مدى حفاظ الحراطين على علاقات الخنوع والاستقلال مع "أسيادهم" التاريخيين. لا توجد أرقام موثوقة بشأن عدد الموريتانيين الذين يعيشون اليوم في ظروف تشبه الرق التقليدي، وأولئك الذين يعانون من أشكاله الحديثة، مثل الحالات الاستغلالية للعمل المنزلي ورعي الحيوانات. وذهب بعض الباحثين إلى أنه لا توجد سوى "جيوب صغيرة من الرق في البلاد"، ولكن هناك إجماع على أن العديد من الذين فروا من الاستعباد الرسمي لا يزالون يعيشون في ظروف من التبعية والفقر الشديدين.[24]

 

في يونيو/حزيران 2016، وفي ردها على التوصيات التي قُدمت أثناء دورة الاستعراض الدوري الشامل في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، رفضت السلطات الموريتانية قبول توصية من كندا بأن "تتعاون مع مكتب مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في موريتانيا ومع المجتمع المدني لإجراء دراسة عن طبيعة الرق، وحدوثه، وعواقبه، وضمان التجميع المنهجي للبيانات المصنفة لقياس التقدم المُحرز في تطبيق القوانين والسياسات الرامية إلى القضاء على الممارسات الشبيهة بالرق والتمييز".[25]

 

ولا تزال السلطات حساسة إزاء الفحص الدقيق المستقل للرق في موريتانيا. وكما يُبين هذا التقرير، فإن المنظمة الحقوقية الموريتانية التي عانت من أكبر قدر من القمع هي الأكثر صراحة بشأن مسألة الرق: مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية، أو إيرا.

 

كما أعاقت السلطات عمل بعض العاملين الأجانب في مجال حقوق الإنسان الذين يبحثون في مسألة الرق.

 

في 2 مايو/أيار 2017، أُجبرت مواطنتان فرنسيتان كانا موجودين في موريتانيا لأكثر من شهر للتحقيق في العنصرية والرق، المحامية ماري فوراي والصحفية تيفين غوس، على مغادرة البلاد بعد أن اتهمتهما الشرطة بالعمل لصالح جمعيات غير معترف بها، تحديدا إيرا ولا تمس جنسيتي.[26]

 

في 8 سبتمبر/أيلول 2017، رفضت السلطات إصدار تأشيرات دخول لوفد من 12 ناشطا أمريكيا مناهضا للرق، وأعادتهم من مطار نواكشوط. كانوا من Abolition Institute و Rainbow PUSH Coalition، ومقر كلاهما في شيكاغو. وفقا لتقارير إعلامية، قال المتحدث باسم الحكومة، محمد الأمين ولد الشيخ، إنه تم منع النشطاء من الدخول لأن "برنامجهم يخرق القانون الموريتاني" و"لم تكن هناك مشاورات مع السلطات (الموريتانية) حول البرنامج، كما هو مألوف، وإنه لم تكن هناك سوى لقاءات مع الأطراف المستهدفة التي تعمل على أجندة محددة".[27].ناقض عضو الوفد، باكاري تينديا، هذا الادعاء، قائلا إنهم اتصلوا بالسلطات الموريتانية قبل وصولهم، وسعوا إلى عقد اجتماعات معها.[28]

 

مصادرة الأراضي وحقوق المواطنة

يضم وادي نهر السنغال نظام الإنتاج الزراعي الأكثر أهمية في موريتانيا. وفقا لدراسة عن حيازة الأراضي، فإن السيطرة على أراضي الفيضانات حول النهر "كانت العامل الأكثر تحديدا لتوزيع السلطة في المجتمع التقليدي، وحولها تم وضع بنى قانون الأراضي التقليدي".[29] عام 1983، أصدرت موريتانيا تشريعا لإصلاح الأراضي أدى إلى تغيير جذري في حقوق الحيازة التقليدية للأراضي، وقدم أساسا قانونيا لانتزاع بعض الأراضي الأكثر قيمة في البلاد من الموريتانيين السود الذين استزرعوها لعدة قرون. معظم المستفيدين من هذه المصادرات من البيضان.[30]

 

عام 1990، شرح مزارع الطرق البسيطة المستخدمة لمصادرة الأراضي، التي أدت في بعض الحالات إلى ما يشير إليه الموريتانيون بـ "العبودية العقارية":

 

إنه دائما نفس النمط. تنتزع الحكومة الأرض من السود لتمنحها للموريتانيين البيض، والذين يطلبون بعد ذلك من الحراطين العمل في الأرض. يحصل الموريتاني الأبيض عل كل الفوائد. إذا أردت، أنت المالك السابق، العمل في الأرض، قد يقبل أفضلهم [الموريتانيون البيض]، بعد مفاوضات طويلة، بأن تعمل في جزء من الأرض للمساعدة في الخبرة التقنية – هذا هو المقابل. لكن العديد منهم لا يقبلون حتى ذلك. هناك العديد من الترتيبات الممكنة بين سيد الأرض القديم والجديد، لكن شيئا واحدا لم يتغير، المالك السابق يفقد أرضه ولا شيء يمكنه تعويضه عن ذلك.[31]

 

وصلت مصادرة الأراضي ذروتها في 1989-1990، عندما سارع طرد "الموريتانيون السود" نحو السنغال من وتيرة الاستيلاء على أراضي من أفراد جماعتهم.[32]

 

في يناير/كانون الثاني 2008، بدأت حكومتي موريتانيا والسنغال، بمساعدة من المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، عملية رسمية لإعادة ما يقدر بـ 60 ألف  من الموريتانيين الذين فروا إلى السنغال عامي 1989 و1990 خلال "الإرث الإنساني".[33]

 

بموجب اتفاق ثلاثي الأطراف سمح بإعادة التوطين، كُلفت مفوضية الأممي المتحدة للاجئين بمنح العائدين وثيقة تُؤهلهم للحصول على بطاقة الهوية الوطنية في موريتانيا. والشخص الذي لا يتوفر على هذه البطاقة يُصبح فعلا بدون جنسية؛ لا يستطيع التصويت، ويواجه عقبات لولوج المدرسة واجتياز الامتحانات الوطنية، وغير مؤهل للحصول على الفوائد الحكومية، ولا يمكنه امتلاك الأرض.[34]

 

في مايو/أيار 2011، أطلقت السلطات الموريتانية إحصاء وطنيا لتسجيل السكان في قاعدة بيانات بيومترية، تنظيم بطاقات الهوية الوطنية، ووضع اللمسات الأخيرة على اللوائح الانتخابية. تتم عملية التسجيل على مرحلتين. أولا، على الأفراد تقديم مجموعة من الوثائق والمعلومات، بما في ذلك بطاقتهم الوطنية، وأرقام بطاقة والديهم الوطنية، وإما جواز سفر أو شهادة ميلاد قديمة.[35] بعد مرور عامين على بداية عملية التسجيل، أعلنت السلطات أنه من أجل تسجيل الأطفال، يتعين على الآباء والأمهات توفير نسخة من وثيقة الزواج.[36] يمكن للمتقدمين بالطلب تسجيل بياناتهم الشخصية والبيومترية فقط بعض أن يقوم المسؤولون في مراكز التسجيل بفحص والموافقة على الوثائق التي قدموها.

 

لم تقم هيومن رايتس ووتش ببحث من أجل هذا التقرير لتقييم زعم السلطات بأن عملية التسجيل غير تمييزية في في القصد والنتيجة. مع ذلك، يجد العديد من الموريتانيين العملية مرهقة ومربكة، ولم يستطيعوا إتمامها رغم ما ما بذلوه من جهود. وخلصت المنظمات غير الحكومية الموريتانية مثل "كاوتال" ولا تمس جنسيتي والمقررين الخاصين للأمم المتحدة إلى أن العملية تمييزية في حق الحراطين و"الموريتانيين السود".

 

وصف المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بالفقر المدقع وحقوق الإنسان، فيليب ألستون، الذي أجرى زيارة قطرية إلى موريتانيا عام 2016، كيف شكلت مصادرة أو فقدان وثائق الهوية "مشكلة خاصة" لـ "الموريتانيين السود" الذين طُردوا خلال "الإرث الإنساني"، منعتهم من التمتع بحقوق المواطنة الكاملة.[37]

 

كما يخلق النظام أضرارا خاصة بالنسبة لـ الحراطين، وفقا لمقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالأشكال المعاصرة للعنصرية والتمييز العنصري وكره الأجانب وما يتصل بذلك من تعصب، والذي زار البلاد في سبتمبر/أيلول 2013، وذكر في تقريره:

 

هذه الشروط [للتسجيل] تُقصي بحكم الواقع الحراطين الذين، الغالبية منهم، لم يُسجل قط آباؤهم وأجدادهم، والذين لم تُوثق قط ولادتهم، كونهم ولدوا من آباء لم يوثقوا زواجهم، وبالتالي لا يمكنهم الحصول على الجنسية بصفتهم الشخصية. ... أدت [الشروط] أيضا إلى استبعاد عدد كبير من الموريتانيين من المناطق الريفية النائية، حيث الحصول على الخدمات العامة محدود. وعلاوة على ذلك، وفقا للتقاليد الإسلامية، في الماضي يتم توثيق الزواج فقط من قبل السلطات الدينية، ولا تُسجل كعقود مدنية، وهو الأمر الذي لا يزال مستمرا في المناطق النائية، مما يؤدي إلى انعدام الجنسية المحتمل بالنسبة لعدد من الأطفال.[38]

 

II. القيود على المجتمع المدني

عند مناقشة وضعية منظمات المجتمع المدني، أشار المسؤولون الذين التقاهم وفد هيومن رايتس ووتش الزائر في مارس/آذار 2017 إلى آلاف المنظمات غير حكومية المسجلة في البلاد كدليل على حيوية المجتمع المدني المحلي، واحترام السلطات لحقوق الإنسان.[39] كتب وزير العدل، ولد داداه، في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش: "لا مضايقات للمجتمع المدني ولا تضييق على نشاطاته طالما تمت ممارستها والتعبير عنها وفقا للإطار القانوني الموضوعي والإجرائي المحدد لها". 

 

تُظهر أبحاث هيومن رايتس ووتش، على عكس هذه الادعاءات، أن السلطات تستخدم مجموعة واسعة من القوانين القمعية وغيرها من التدابير لمعاقبة وتعرقل أنشطة هذه الجمعيات والأفراد، الذين يتحدثون عن بعض القضايا الأكثر حساسية في البلاد والمتعلقة بالعدالة الاجتماعية.

 

إحدى أدوات القمع هي قانون 1964 الخاص بالجمعيات، والذي يشترط على الجمعيات الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية ليكون لها وجود قانوني، ويعطي الوزارة أسبابا واسعة لرفض منح هذا الترخيص أو سحبه. وفقا لهذا القانون، تشمل أسباب الرفض الانخراط في "الدعاية المعادية للوطن"، أو "ممارسة تأثير مفزع على نفوس المواطنين". تستطيع الجمعيات غير المعترف بها العمل، لكنها تواجه عقبات حقيقية: على سبيل المثال، ترفض الفنادق والفضاءات العامة عموما السماح لها باستئجار قاعات للمناسبات، وتمتنع الجهات المانحة الحكومية الثالثة، مثل الاتحاد الأوروبي، عن تمويلها، كما واجه ناشطون في بعض الأحيان السجن فقط بسبب العضوية.

 

في عام 2016، وافق مجلس الوزراء على مشروع قانون يحل محل قانون عام 1964، يعرقل أكثر في بعض مظاهره حرية تكوين الجمعيات. يمكنه أن يحظر، على سبيل المثال، تأسيس أي جمعية تقوم أنشطتها بـ "النيل من وحدة التراب الوطني".

 

منظمات حقوق الإنسان

كاوتال

كاوتال منظمة غير حكومية مسجلة رسميا عام 2010، تترافع بشأن قضايا خلافية مثل الإرث الإنساني، مصادرة الأراضي، والتسجيل الوطني للمواطنين. في أبريل/نيسان 2017، نشرت تقريرا يصف الصعوبات التي واجهها المواطنون في جمع وإيداع الوثائق المطلوبة للتسجيل، واتهم الإدارة بإجراء عملية التسجيل بطريقة تمييزية عرقيا، تستند إلى التنميط، لا سيما ضد الموريتانيين السود.

 

في 15 يناير/كانون الثاني 2015، أدانت المحكمة الابتدائية في ولاية الترارزة رئيس كاوتال، دجيبي صو، واثنين من قادة إيرا، بيرام ولد اعبيدي، رئيس، وإبراهيم بلال رمضان، في ذلك الوقت نائب رئيس إيرا، بـ "العصيان" و"انتهاك حرمة السلطة العمومية"، وحكمت عليهم بالسجن لمدة عامين. أيدت محكمة الاستئناف في ألاك الإدانة والعقوبة في 20 أغسطس/آب 2015. نبعت القضية من مواجهة وقعت عندما منعت السلطات قافلة من النشطاء من دخول بلدة حدودية جنوب روصو في 11 نوفمبر/تشرين الثاني 2014.[40] وجدت المحكمة أن صو، بيرم، وبلال، كقادة للقافلة، يتحملون المسؤولية الجنائية لتحدي أمر مكتوب من المحافظ يحظر القافلة من السير نحو روصو، ثم عصيان أوامر الشرطة في مكان الحادث بالتراجع.

 

قال صو لهيومن رايتس ووتش إن القافلة - مجموعة صغيرة من الناشطين في جولة للتحسيس بقضايا حقوق الإنسان - تضم 7 منظمات، منها إيرا.[41] القافلة، التي بدأت في بلدة بوغي في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، زارت المدن على طول نهر السنغال، وتحدثوا إلى السكان هناك حول قضايا مثل مصادرة الأراضي، والرق، والحقيقة والعدالة لضحايا "الإرث الإنساني". وقال صو إنه أخبر السلطات كتابة ومسبقا عن خططهم، وفقا للقوانين التي تنظم التجمعات العامة، لكنه لم يتوصل بأي رد.

 

في 7 نوفمبر/تشرين الثاني، أخبر محافظ بوغي القافلة بأن محافظ إقليم براكنة يأمرهم بوقف نشاطهم. وقال صو إنه بعد المناقشة، سمحت السلطات للقافلة باستئناف مسارها. ثم في 10 نوفمبر/تشرين الثاني، أخبر محافظ الترارزة قادة القافلة بأنه يمنعها من الاستمرار.[42]

 

مع ذلك كان المنظمون يأملون أن يتمكنوا من إنهاء الرحلة يوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني بلقاء كبير في روصو، عاصمة ولاية الترارزة، وتقديم رسالة إلى المحافظ بشأن المشاكل التي لاحظوها. إلا أن قوات الأمن منعتهم من دخول المدينة.

 

"حوالي 5 كيلومترات خارج روصو، أوقفتنا قوات الدرك والشرطة والجنود. طلبوا منا أن نعود أدراجنا. رفضنا ذلك" وفقا لما يتذكره صو.[43] "أردنا أن نتفاوض معهم للسماح لنا بدخول روصو".

 

قال إبراهيم بلال رمضان، عضو إيرا آنذاك:

 

لم نكن سوى 30 أو 40 شخصا في قافلتنا، في 7 أو 8 سيارات. كان عدد أفراد الشرطة والدرك يفوقنا. أمرونا بالعودة. لم يكن لدينا حتى البنزين الكافي للذهاب بعيدا، وكنا نرغب في التفاوض. وصل رئيس أمن روصو (الحاكم) وقال إنه علينا العودة. أردنا أن نتفاوض ولذلك بقينا في أماكننا. لم يكن هناك عنف، ولا  قذف للحجارة. ثم غادر رئيس الأمن. استمر الوقوف إلى أن وصل [رئيس إيرا] بيرام، الذي لم يشارك في القافلة، إلى مكان الحادث. عندها بدأت الشرطة تدفعنا إلى الوراء مستخدمة الغاز المسيل للدموع. بقاؤنا في مكاننا عندما منعتنا الشرطة من التقدم وأمرتنا بالعودة تحول إلى تهمة "تجمهر غير قانوني".[44]

فرقت الشرطة القافلة واعتقلت رمضان، صو، وبيرام، و7 آخرين تم الإفراج عنهم لاحقا. قال صو لهيومن رايتس ووتش إن ضباط في قوات الدرك في روصو استجوبوه على مدى 4 أيام، وهي الفترة التي حُرم خلالها الاتصال بمحام وعائلته. "سألوني لماذا نظمنا القافلة، ولماذا لم نقم بزيارة قرى البيضان، واتهمونا بمحاولة تحريض الحراطين ضد البيضان".[45]

 

اتهم المدعي العام الرجال بارتكاب جنايات شملت التجمهر غير القانوني غير المسلح، والتمرد، والاعتداء على قوات الأمن، والتمرد غير المسلح، وفقا للمواد 101-105، و191-194، و204 من القانون الجنائي. كما اتهموا أيضا بالعضوية في منظمة غير مرخصة، وهو انتهاك لقانون الجمعيات يُعاقب عليه بالسجن.[46]

 

زارت "مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان"، والتي تُدير مكتبا قطريا في موريتانيا، المتهمين بعد 4 أيام من اعتقالهم، وأنجزت تقريرا عن طروف اعتقالهم ومعاملتهم بعد ذلك. أوصت المفوضية، من بين أمور أخرى، بأن تُجري السلطات الموريتانية "تحقيقا مستقلا، وغير متحيز، وفي الوقت المناسب في سلوك الشرطة والدرك كجزء من جهودها في الحفاظ على النظام وتفريق التجمع العمومي ليوم 11 نوفمبر/تشرين الثاني".[47] لم تقم السلطات بإجراء مثل هذا التحقيق ونشره للعموم، على حد علم هيومن رايتس ووتش.

 

أيدت محكمة الاستئناف الحكم بالسجن عامين في حق صو، بيرام، ورمضان على الرغم من أن المحكمة لم تتلق أي أدلة موثوقة على السلوك العنيف من جانب أعضاء القافلة. أُفرج عن صو في 18 يونيو/حزيران 2015، لأسباب صحية.[48] ولم يتم الإفراج عن بيرام ورمضان، من إيرا، إلا في مايو/أيار 2016، بعد أن خفضت المحكمة العليا التهم وقصرت عقوبتهما من سنتين إلى 18 شهرا (أنظر أدناه).

 

قال صو لهيومن رايتس ووتش إن السلطات منعت، منذ خروجه من السجن السلطات، كاوتال من تنظيم وقفات وعقد اجتماعات. وقال إنهم مُضطرون إلى تنظيم المؤتمرات الصحفية في أماكن خاصة، لأن السلطات ترفض السماح لهم بتنظيمها في الفنادق.[49] وقال صو:

 

يُسمح، في بعض الأحيان، لكاوتال بتنظيم أنشطة، وأحيانا أخرى لا. نخبر السلطات مسبقا، لكنها لا ترد كتابة أبدا. يوم وصولك إلى مكان الفعالية، قد تكون الشرطة هناك لعرقلة النشاط.[50]

على سبيل المثال، منعت السلطات في محافظة بوغي كاوتال، في 6 يونيو/حزيران 2017، من تنظيم مؤتمر ونشاط ثقافي، يُركز على مسألة حقوق الملكية وعملية تسجيل المواطنين، وفقا لصو. وقال: "أخبرتهم كاوتال بالنشاط، لكننا لم نتوصل بأي رد. لكن عند وصولنا، كانت الشرطة هناك لمنعه".[51]

 

مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)

كتب وزير العدل، داداه، إلى هيومن رايتس ووتش:

 

تم التصدي لظاهرة العبودية بحزم من خلال القوانين التي تجرم الممارسات الاستعبادية وتعاقب الفاعلين وتكفل حقوق الضحايا. والسلطات ماضية في محاربة آثار هذه الظاهرة والحد من تبعاتها والقضاء على آثارها الاجتماعية والاقتصادية والثقافية على المجتمع الموريتاني ككل، وما خارطة الطريق لمحاربة الأشكال المعاصرة للعبودية والمؤسسات التي استحدثت في إطارها كاللجنة الوزاية المشتركة لمحاربة العبودية ولجنتها الفنية ووكالة التضامن إلا أدلة ساطعة على إستراتيجية واضحة ومشاريع طموحة لتضميد الجراح الناجمة عن الممارسات الاستعبادية.

تُشكك مبادرة انبعاث الحركة الانعتاقية (إيرا)، التي تأسست عام 2008، مباشرة في هذا الخطاب الرسمي. تناضل، وفقا لنظامها الداخلي، ضد ما تعتبره عدم قيام الحكومة بإنهاء العبودية وغياب فعاليتها في معالجة إرثها. معظم قادتها، لكن ليس كلهم، هم من الحراطين.

 

قال مدير التواصل في إيرا، حمادي لحبوس، إن المنظمة منخرطة في "صراع سلمي، لكن راسخ".[52] تُشير إيرا، في بلاغاتها الإخبارية، إلى الحكومة الحالية بأنها "عنصرية واستعبادية".[53] قال مؤسس إيرا ورئيسها، بيرام الداه أعبيد، لهيومن رايتس ووتش إن 20 بالمئة من سكان البلاد مستعبَدين، وهو تناقض مباشر مع تأكيد الحكومة أن الرق قد تم القضاء عليه باستثناء حالات معزولة هنا وهناك.[54] كما يُدين بيرام نقص تمثيل الحراطين والسود الآخرين في المناصب الحكومية العليا.[55]

 

في أبريل/نيسان 2012، أثار بيرام الجدل عندما أحرق، خلال مظاهرة عامة في نواكشوط، كتابا يُعتبر من أركان الفقه الإسلامي المالكي، وهو المذهب السائد في موريتانيا، على أساس أنه يُبرر العبودية، وبالتالي يُشوه رسالة القرآن. وبسبب هذا الفعل، قضى بيرام حوالي 4 أشهر في السجن.[56]

 

بعد ذلك بعامين، ترشح بيرام للرئاسة، وجاء في المركز الثاني برصيد 9 بالمئة من الأصوات مقابل 82 بالمئة  للرئيس الحالي، عبد العزيز.[57] انتقد بعض أعضاء المعارضة السياسية، التي قاطع أغلبها الانتخابات، مشاركة بيرام على أنها تُضفي مظهر شرعية التعددية على ما اعتبروه منافسة غير عادلة.[58] ترشح بيرام كمستقل لأن السلطات رفضت الاعتراف بالحزب الذي أنشأه في عام 2013، الحزب الراديكالي من أجل عمل شامل، على أساس أنه ينتهك حكما في قانون الأحزاب السياسية الذي يحظر الأحزاب التي تقوم على أساس "عنصري أو عرقي أو جهوي أو قبلي أو جنسي أو طائفي".[59] عام 2017، أعلن بيرام نيته الترشح للرئاسة مرة أخرى في 2019.[60]

 

رفضت السلطات الموريتانية الرد رسميا على طلب إيرا للتسجيل كمنظمة غير حكومية، سواء في محاولتها الأولى في يونيو/حزيران 2010، أو في محاولاتها اللاحقة. في حين أنها امتنعت عن التحرك بشكل واضح لإغلاق لإيرا، اعتقلت أعضاء المنظمة، أخضعتهم لمحاكمات جائرة، وسجنتهم، فيما يبدو انتقاما من أنشطتهم وخطابهم. يزعم بعض المعتقلين أن الشرطة عذبتهم.[61] منعت السلطات أيضا أنشطة محددة لإيرا، في حين تسامحت مع أخرى.

 

انتقدت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان وضعية الفراغ القانوني لإيرا التي وضعها فيها موقف الدولة: "يرجّح هذا الوضع التطبيق التعسفي لقانون الجمعيات، ويمكن أن يرقى إلى عائق أمام حرية تكوين الجمعيات وفقا للمعايير الدولية التي تنطبق على موريتانيا".[62]

 

بينما لم تستجب السلطات رسميا لطلب إيرا بالحصول على وضع قانوني، كان وزير العدل، داداه، غير نادم على رفض الدولة الاعتراف بإيرا، متهما إياها بالسعي إلى "تقسيم الوحدة الوطنية" في انتهاك للمادة 1 من الدستور، التي تنص على مبدأ عدم التمييز فيما يتعلق بالأصل والعرق، وتحظر " دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي".[63] وقال داداه أيضا إن إيرا لم تتصرف كمنظمة غير حكومية: "لدينا قوانين للأحزاب السياسية وقوانين للجمعيات. عليك أن تختار أي منها تريد أن تكون، لا يمكنك أن تضع قدما هنا وقدما هناك" حسب قوله.[64] وقدم وزير الداخلية، أحمدو ولد عبد الله، نفس الحجج: "إيرا ليست منظمة حقوق الإنسان. إنها تُقسم الوحدة الوطنية". وقارن عبد الله مقاربة إيرا مع منظمة غير حكومية أخرى مناهضة للعبودية "نجدة العبيد"، التي قال إنها لا تسعى إلى تقسيم الوحدة الوطنية، و"تأسست بشكل قانوني".[65]

 

وقال مؤسس ومدير نجدة العبيد، بوبكر ولد مسعود، لهيومن رايتس ووتش إن إيرا أكثر صدامية في استراتيجيتها من منظمته، التي حصلت على الاعتراف القانوني في عام 2005، لكنه قال إن السلطات ساهمت في تسييس إيرا: "تحاول الحكومة تقديم الحراطين كتهديد ويستخدمون إيرا كدليل على ذلك".[66]

 

كما تمت الإشارة إلى ذلك في القسم السابق المتعلق بكاوتال، في يناير/كانون الثاني 2015، حكمت محكمة في روصو على بيرام ولد أعبيدي وإبراهيم بلال رمضان بالسجن سنتين، بسبب تمرد غير مسلح، وفقا للمادة 193 من القانون الجنائي. وفي 17 أغسطس/آب، وبينما كانت محاكمة استئنافهم جارية، رفضت السلطات الموريتانية، في 17 أغسطس/آب 2015، دخول ميشيل ل. هوفمان، رئيس المنظمة غير الحكومية السويسرية، Vivere، والذي كان قد وصل إلى مطار نواكشوط لمراقبة المحاكمة، وإذا أمكن، زيارة بيرام ورمضان في السجن. ظل هوفمان في المطار لمدة يومين قبل أن يُطرد. في 20 أغسطس/آب، أيدت محكمة الاستئناف الأحكام بحق المتهمين.

 

خفضت المحكمة العليا، في 17 مايو/أيار 2016، التهم التي أدين بها بيرام ورمضان، وأمرت بالإفراج عنهم فورا، بعد أن قضيا 18 شهرا في السجن.[67]

 

ستة أسابيع فقط بعد ذلك، اعتقلت السلطات في نواكشوط 13 شخصا من قادة وأعضاء إيرا، قدمتهم إلى المحاكمة في قضية تظهر أنها الأكثر خطورة حتى الآن ضد أعضاء المجموعة.

 

تتعلق التهم باشتباكات وقعت يوم 29 يونيو/حزيران 2016، بعد محاولة الشرطة طرد سكان كزرة بوعماتو، وهو حي عشوائي لكنه قائم منذ فترة طويلة يتكون من بضع مئات من العائلات في الغالب حراطين في منطقة تفرغ زينة في العاصمة، قبل استضافة المدينة قمة "جامعة الدول العربية".[68] أصيب كثير من عناصر الشرطة والمتظاهرين بجروح، منهم، وفقا لتقارير، عنصريّ شرطة اتدعت إصابتهما النقل إلى المغرب لتلقي العلاج. لحقت أضرار بالممتلكات، بما في ذلك حافلة للشرطة التي أحرقت. اعتقلت الشرطة عشرات الأشخاص في ذلك اليوم، لم يكن من بينهم أي ناشط من إيرا. لم تبدأ الشرطة باعتقال نشطاء إيرا قبل اليوم التالي، واستمر على مدى العديد من الأيام التالية، ليصل عدد المعتقلين إلى 13 رجلا في 9 يوليو/تموز.

 

نفت إيرا أن يكون أي من أعضائها قد شاركوا في أحداث العنف. ووفقا لمحامي الدفاع، فاطماتا أمباي، فإن اثنان فقط، من أصل 13، كانا حاضرين في الأحداث التي وقعت ذلك اليوم؛ موسى بلال، الذي توقف بينما كان يقود سيارته وشاهد الوضع، والعضو الثاني، عبد الله ديوب، رئيس الفرع المحلي لإيرا، والذي حضر إلى مكان الحادث بعد أن اتصل به بلال. أنكرا خلال المحاكمة تنظيم أعمال العنف أو المشاركة فيها، مثلما فعل الـ 11 متهما الآخرين من إيرا. هناك 11 شخصا، من سكان المنطقة، متهمين رفقة أعضاء إيرا.

 

تم تقويض عدالة المحاكمة، التي جرت أطوارها في أوائل أغسطس/آب 2016، في محكمة نواكشوط الابتدائية، من خلال مزاعم التعذيب وسوء المعاملة التي لم تُحقق فيها المحكمة، وأيضا من خلال بعض الاختلالات الإجرائية الأخرى. إضافة إلى ذلك، تبدو إدانة جميع أعضاء إيرا الـ 13 مبنية على أدلة ضعيفة. وفقا لمحامي الدفاع أحمد ايلي مسعود ومراقب حضر المحاكمة، لم تستمع المحكمة إلى أي شاهد يدين المتهمين من إيرا، ولم ترَ أي صور أو فيديوهات تُظهرهم يرتكبون جرائم.[69] قال المراقب إن المدعي العام، لإثبات مؤامرة تشمل أعضاء إيرا الذين لم يكونوا في موقع الحادث، قدم تسجيلات على الهاتف الخلوي تبين أن العديد من أعضاء المنظمة كانوا على اتصال دائم مع بعضهم البعض في ذلك اليوم، إلا أن النيابة العامة لم تعرض محتوى تلك الاتصالات.[70]

 

قال2 من أعضاء إيرا الذين أدينوا في اضطرابات يونيو/حزيران 2016، حمادي لحبوس وأحمد حمدي، لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة اعتقلتهم في مواقع منفصلة في نواكشوط يوم 3 يوليو/تموز 2016، ومن ثم احتجزتهم 9 أيام في الحبس الانفرادي، ورفضت الشرطة، خلال تلك الفترة، طلبهما بالتشاور مع محامين وأطباء.

 

قال لحبوس، مدير التواصل في إيرا، إن المحققين معه في المفوضية الخاصة بالشرطة القضائية، اتهموا إيرا بأنها خططت مسبقا لمقاومة تفكيك الحي العشوائي في 29 يونيو/حزيران 2016. وقال حمدي، أمين مال إيرا، لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة سألته عن مالية المنظمة وعلاقاتها الدولية، وعن اشتباكات 29 يونيو/حزيران. نفى الرجلان أن يكونا حاضرين في الاحتجاج والشغب الذي تلاه. وقال لحبوس إنه رغم عدم تعرضه لأي سوء المعاملة الجسدية أثناء الاستجواب، نعته ضابط كبير، هو ومعتقلي إيرا الآخرين، بـ "عبيد قذرين" من بين إهانات أخرى.[71] حكمت المحكمة الابتدائية على لحبوس وحمدي بالسجن 5 و3 سنوات على التوالي، وتم تخفيض العقوبتين لاحقا من قبل محكمة الاستئناف.

 

تقضي المادة 57 من قانون الإجراءات الجنائية، مع بعض الاستثناءات، بفترة الحراسة النظرية لدى الشرطة أقصاها 48 ساعة، قبل تقديم المعتقل أمام قاض. هذه الفترة غير قابلة للتجديد إلا بإذن موقع من المدعي العام، الذي يمكنه الأمر بتمديد واحد لمدة 48 ساعة.[72]

 

حدد المدعي العم أن جميع أعضاء إيرا الـ 13 اعتقلوا في "حالة تلبس"، رغم أنه لم يعتقل أحد منهم يوم الاشتباكات. تصنيف جريمة على أنها "حالة تلبس" يسمح للمدعين العامين الموريتانيين بالأمر باعتقال مشتبه به لمدة تصل إلى 30 يوما دون الحاجة إلى الحصول على موافقة القاضي.[73] هذا يعني أيضا تجاوز مرحلة المحاكمة حيث يدرس قاضي التحقيق الأدلة (التحقيق)، ويقرر إحالة القضية على المحاكمة من عدمها.

 

يُعرف قانون الإجراءات الجنائية مفهوم "حالة التلبس" لتشمل توقيف شخص أثناء ارتكاب جريمة أو بعد ذلك بوقت قصير جدا، أو توجد أدلة مادية قوية على تورط المتهمين في ارتكاب جريمة.[74]

 

رفضت المحكمة اعتراض الدفاع على وصف حالة التلبس، وتشبثت بكون حالة التلبس مرتبطة بالأحداث وليس الأشخاص. وجود أدلة تتألف من صور وفيديوهات "تُظهر المتهم في حالة تلبس: يعني أن غياب وهروب المتهم من مكان الحادث، حتى لو استمر لأيام، لا يُلغي حالة التلبس". وكما ذكر أعلاه، قال على حد سواء محامي الدفاع ومراقب للمحاكمة لهيومن رايتس ووتش إن النيابة لم تعرض أي صور أو فيديوهات تُظهر المتهمين أثناء ارتكابهم للجرائم.

 

فاطمتا امباي هي إحدى المحامين الحاضرين، عندما رأى معتقلو إيرا المدعي العام ومحامي دفاعهم لأول مرة في ساعة مبكرة من يوم 12 يوليو/تموز. قالت إن المدعي العام رفض إزالة الأصفاد عن أعضاء إيرا، ولم يلاحظ ما وصفته بأنه إصابات واضحة على بعضهم.[75] وقال لحبوس: "نقلونا في منتصف الليل لضمان عدم حدوث أي احتجاجات".

 

قال محامي دفاع آخر، إبراهيم ولد ابتي، بالإضافة إلى المتهمين حمادي لحبوس وأحمد حمدي، لهيومن رايتس ووتش إن المتهمين عبد الله السالك وموسى بلال بيرام كان يحملان إصابات واضحة تُعزى للتعذيب أثناء الاحتجاز.

 

قال حمادي: "كان موسى يحمل جروحا على معصميه وكاحليه بسبب الأصفاد. كان يعاني من مشاكل أثناء المشي. وقال للمدعي العام أمام الشرطة إنه تعرض للتعذيب".[76] ووفقا لـ لحبوس: "كان لدى عبد الله تورم في المعصمين والكاحلين، وقال إنه تعرض للضرب على أسفل قدميه".[77]

 

كانت السالك وبيرام الاثنين فقط، من الـ 13، اللذين ما يزالان في السجن وقت طباعة هذا التقرير.

 

طلب الدفاع من المحكمة التحقيق في ما إذا كانت الشرطة قد عرّضت المتهمين للتعذيب أو سوء المعاملة. يتطلب 2015 قانون مكافحة التعذيب في موريتانيا من السلطات القضائية إجراء تحقيقات محايدة في مزاعم التعذيب ذات المصداقية.[78] وفقا لمحامي الدفاع، ابتي، فقد تجاهل المدعي العام هذا الطلب. يؤكد حكم المحاكمة ذلك. وينص على أن المدعي العام لم يُجر أي تحقيق لأنه لم يتلق أي طلب من هذا القبيل وأن الشكوى كانت بدون أساس. وأشار المدعي العام أيضا في هذا السياق إن جميع المتهمين نفوا الاتهامات ولم تكن هناك حاجة للتعذيب، ما يعني، على ما يبدو، إنه بما أن المتهمين لم يعترفوا بأي شيء، فذلك يدحض مزاعم تعرضهم للتعذيب.[79] أكد المحامي ابتي أن المتهمين لم يعترفوا؛ بحسب رأيه، العنف الذي يُزعم أن الشرطة استخدمته ضد المتهمين في الاحتجاز كان من أجل الانتقام لعناصر الشرطة الذين أصيبوا في أحداث 29 يونيو/حزيران وليس لانتزاع الاعترافات.[80]

 

قبل انتهاء المحاكمة، انسحب محامو الدفاع من القضية احتجاجا على حكم القاضي بالسماح للنيابة العامة بإدراج فيديو، كدليل، والذي لم يكن جزءا من ملف القضية.

 

بعد انسحاب فريق الدفاع، عينت المحكمة محامين حتى يكتمل دفاع المتهمين، الذين رفضوا وكلاءهم الجدد. ثم رفضت المحكمة طلب المحامين الجدد بمنحهم مزيدا من الوقت لإعداد الدفاع.

 

في 18 أغسطس/آب 2016، أدانت المحكمة أعضاء إيرا الـ 13 بمجموعة من الجرائم بموجب القانون الجنائي، بما في ذلك التمرد، استخدام العنف، الاعتداء على موظفين عموميين أثناء أداء عملهم، والمشاركة في تجمهر مسلح والدعوة إليه. كما أدانتهم المحكمة بالعضوية في منظمة غير معترف بها وفقا لقانون الجمعيات. وحكمت المحكمة على موسى بلال بيرام، عبد الله معطى الله السالك، أمادو التيجاني ديوب، عبد الله أبو ديوب، وجمال ولد صامبا بـ 15 عاما لكل واحد؛ حمادي لحبوس وبلا توريه بخمس سنوات لكل منهما؛ وأعضاء إيرا الآخرين بثلاث سنوات لكل واحد. كما حُكم عليهم جميعا بالغرامة.[81] كذلك فرضت المحكمة عقوبات بالسجن ودفع الأضرار على بعض المتهمين الـ 10، الذين ليسوا أعضاء في إيرا ولكن من الحي الذي وقعت فيه الاضطرابات. قدم المتهمون استئنافا، وفي الشهر التالي، تم نقلهم إلى سجن في مدينة الزويرات، على بعد أكثر من 700 كيلومترا عن منازلهم في العاصمة.

 

في 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2016، برأت محكمة نواذيبو الاستئنافية، التي كانت تعمل في الزويرات، 3 من أعضاء إيرا الذين أدانتهم المحكمة الابتدائية وخفضت أحكام البقية. وبرأت 7 آخرين من جميع التهم باستثناء إدارة جمعية غير معترف بها وخفضت عقوباتهم إلى 4 أشهر التي كانوا قد قضوها بالفعل، إضافة إلى 8 أشهر موقوفة التنفيذ، وأفرجت عنهم. أُفرج عن آخر، عبد الله أبو ديوب، بعد ذلك بشهرين، بعد أن قضى حكما مخففا من 6 أشهر، بتهمة التحريض على تجمهر غير مسلح.

 

فيما خص عضويّ إيرا المتبقين في هذه القضية، عبد الله السالك وموسى بلال بيرم، أسقطت محكمة الاستئناف جميع التهم، باستثناء التحريض على تجمهر غير مسلح قد يهدد النظام العام وإدارة جمعية غير معترف بها. خفضت عقوبتهما إلى 3 سنوات في السجن، سنة منها موقوفة التنفيذ.

 

عقب صدور قرار محكمة الاستئناف، نقلت السلطات السالك وبيرام إلى سجن بير ام اكرين، على بعد 1,200 كيلومتر من منازلهم في نواكشوط. لا يزالون يقضون عقوبتهم هناك.

 

كتب وزير العدل ولد داداه إلى هيومن رايتس ووتش حول هذه القضية:

 

الأشخاص الذين يزعمون انتماءهم لمنظمة ايرا غير المرخصة، قاموا سنة 2016 بأعمال شغب وتجمهر مسلح وحرضوا غيرهم على ذلك واعتدوا بالعنف على أعوان القوة العمومية خلال ممارستهم لمهامهم، وافسدوا ممتلكات عمومية وأخرى خصوصية، وهي الأفعال المجرمة والمعاقب على ارتكابها في [القوانين] ذات الصلة. وقد تمت محاكمتهم وإدانتهم طبقا لمحاكمة عادلة وفرت لهم كل الضمانات القانونية.

 

وقد استعرضت أمام المحكمة، الأدلة والتي من بينها لقطات فيديو لمسرح الجريمة أخذت بواسطة كاميرات بعضها لهواتف المتهمين أنفسهم، تظهر مشاركة بعضهم في الوقائع المنسوبة إليهم وقد واستبعدت محكمة الاستئناف تلك الأدلة في حق جميع المتهمين باستثناء اثنين من الذين ظهروا بوضوح في اللقطات المصورة. ولا تزال القضية أمام المحكمة العليا، مما يحول دون إمكانية توفير شريط الفيديو المذكور لأي جهة ليست طرفا في القضية.

لم تُراجع هيومن رايتس ووتش الفيديو المعني، ونفى محامي الدفاع أحمد ايلي مسعود أن يُظهر الفيديو أي من متهمي إيرا يرتكبون مخالفات.[82]

 

في أعقاب أحداث كزرة بوعماتو، أغلقت السلطات منظمة غير حكومية معترف بها قانونا كانت تقدم مقرا غير رسمي لإيرا، التي لا يمكنها استئجار مكتب باسمها بسبب حرمانها من الوضع القانوني. رئيس المنظمة غير الحكومية، POP-DEV (Population et Développement)، هو بلّا توريه، الذي ينتمي أيضا إلى المكتب الوطني لإيرا.

 

في 1 يوليو/تموز 2016، اليوم الثاني من حملة الاعتقال في صفوف نشطاء إيرا بعد الاشتباكات التي وقعت في كزرة بوعماتو، جاءت الشرطة إلى مقر POP-DEV وفتشت المكان. اعتقلت توري في نفس اليوم. في يوم 24 يوليو/تموز، رافقت الشرطة توري من السجن إلى مقر POP-DEV، ليكون حاضرا أثناء إجراء الجرد. قال توري لهيومن رايتس ووتش إن الشرطة رفضت طلب توري بحضور محاميه، ورفض توري توقيع محضر الجرد الذي أعدته الشرطة في نهاية البحث. وبعد بضعة أيام، عادت الشرطة ونقلت محتويات المكتب، حسب قوله. حكمت المحكمة الابتدائية على توري بالسجن 5 سنوات. في نوفمبر/تشرين الثاني، كان من بين متهمي إيرا السبعة المُفرج عنهم بعدما برأتهم محكمة الاستئناف من كل التهم، باستثناء إدارة جمعية غير معترف بها.

 

في 19 يناير/كانون الثاني 2017، استدعى المدير الإقليمي لأمن نواكشوط الغربية توريه لإبلاغه بأن السلطات قد حلت POP-DEV يوم 18 أغسطس/آب 2016، بينما كان لا يزال في السجن. التمس توريه من محكمة الاستئناف في نواذيبو إجبار الشرطة على إرجاع المواد التي صودرت من المنظمة. قال توريه إن المحكمة لم ترد قط، وأضاف أن POP-DEV أوقفت أنشطتها.[83]

 

رفض السلطات الترخيص لإيرا يعني أنه لا يمكنها استضافة مناسبات رسمية، مثل المؤتمرات الصحفية. وتتحرك السلطات أيضا ضد جهود إيرا للالتفاف على القيود التي تأتي مع افتقارها للوضع القانوني. على سبيل المثال، عندما حاولت إيرا عقد مؤتمر صحفي في أوائل 2016 في مقر "ملتقى المنظمات الوطنية لحقوق الإنسان" (فوناد) المعترف به قانونا، استدعت وزارة الداخلية المدير التنفيذي لفوناد، مامادو صار، لتوبيخه، حسب قول صار لهيومن رايتس ووتش. وقال: "تعقد جمعيات أخرى غير معترف بها أنشطتها هنا. إيرا هي التي تزعجهم".

 

وقال صار إن فوناد حجزت قاعة في "فندق وصال" في نواكشوط لتنظيم ورشة مقررة في 30 يوليو/تموز 2016 تتمحور حول مناهضة عقوبة الإعدام. لكن عندما اقترب اليوم، أبلغته الشرطة أنه لا يمكنهم تنظيمها في الفندق، لهذا نقلوها إلى مقر فوناد.[84]

 

قال وزير الداخلية، أحمدو ولد عبد الله، لهيومن رايتس ووتش:

سبب عدم السماح لفوناد بتنظيم النشاط في وفندق وصال هو مشاركة إيرا. إذا كانت الجمعية معترفا بها، وقامت بإخبار السلطات، فليس هناك مشكلة، يمكنهم استئجار قاعة في الفندق. ولكن إذا كانت الجمعية غير معترف به، فإنها تحتاج إلى الحصول على ترخيص، وليس مجرد إخبار. تحاول الجمعيات غير المعترف بها، في بعض الأحيان، القيام بذلك تحت راية جمعية معترف بها. قلنا للجمعيات المعترف بها إنها يجب ألا تقوم بذلك؛ دعوا الجمعيات غير المعترف بها تتقدم بالطلب بنفسها. عندما تم استدعاء فوناد وأخبروا أن هذا نشاط إيرا، لم تُنكر فوناد ذلك. لم تطلب إيرا قط ترخيصا من الدولة. وهكذا، فإن جميع أنشطتها غير مشروعة. هل يعترفون حتى بالدولة؟[85]

 

ليست إيرا المنظمة الوحيدة التي سعت السلطات إلى عرقلة مؤتمراتها الصحفية. قال رئيس "المرصد الموريتاني لحقوق الإنسان"، عبد الله بيان لهيومن رايتس ووتش إن السلطات أمرت، في مارس/آذار 2016، "فندق شنقيط بالاس" في نواكشوط بعدم السماح للمرصد بعقد مؤتمر صحفي للإعلان عن نتائج تقريره السنوي. لقد أخبروا السلطات مسبقا. هذا رغم أن المرصد قد قدم الوثائق اللازمة مسبقا، وتقديم السلطات تأكيدات شفهية بأنها سترخص هذا النشاط.[86] نقلوا النشاط إلى مقر فوناد، حيث نظموا نشاطهم دون مشاكل. وقال الأمين العام للمرصد، محمد سالم عابدين، لهيومن رايتس ووتش، منذ ذلك الحين لم يتم حظر أي نشاط آخر للمرصد.[87]

 

"لا تمس جنسيتي"

تأسست لا تمس جنسيتي ردا على إحصاء عام 2011، وعملية لاحقة لتسجيل الناس في نظام بطاقة الهوية الوطنية البيومترية، التي تقول عنها الجمعية إنها تهدف إلى حرمان الموريتانيين السود من حقوق المواطنة. وصف رئيس الحركة، الحسن جا، وأمينها العام عباس دياغانا، التسجيل بأنه تمييز مُتعمد ضد الحراطين والموريتانيين السود، وجزء من "سياسة تعريب واضحة" سارية منذ استقلال موريتانيا.[88]

 

قال جا لهيومن رايتس ووتش: "أساسا الحراطين ليس لديهم وثائق. الموريتانيون السود يتوفرون عليها، لكنها يسببون لنا مشاكل".[89] كما وصف العواقب المحتملة بالنسبة لأولئك الذين تجدهم السلطات لا يتوفرون على  وثائق الهوية الصحيحة، وهو ما يفسر اختيار اسم المنظمة، لا تمس جنسيتي. وقال إن الذين لا يتوفرون على البطاقة البيومترية يُمكن أن يؤخذوا إلى مركز الشرطة، ويمكن في نهاية المطاف أن يُصنفوا على أنهم ماليون أو سنغاليون. وقال إنه بعد ذلك توجد أمامك معركة شاقة للتسجيل كموريتاني.

 

كما وصف مامادو صار، المدير التنفيذي لفوناد، عملية التسجيل بأنها تمييزية في الممارسة والقصد. "يطلبون من الحراطين جلب جميع أنواع الوثائق التي ليست في حوزتهم. والغرض من ذلك هو جعل موريتانيا دولة عربية".[90]

 

قال وزير الداخلية، أحمدو ولد عبد الله، لهيومن رايتس ووتش في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2017، إنه حتى  ذلك اليوم، تم تسجيل 3,366,718 موريتاني رسميا، مقارنة مع 3.5 مليون موريتاني وفقا إحصاء عام 2014.[91] وقال إن هذا يُظهر أن العملية تسير بسلاسة إجمالا. ورغم أنه اعترف ببعض المشاكل، نفى يكون ذلك قد أضر بشكل غير متناسب الموريتانيين السود. لا تتوفر هيومن رايتس ووتش على أساس للتحقق من هذا الرقم الذي قدمه الوزير، أو عدد سكان البلاد في عام 2017، أو التقسيم الديموغرافي لهؤلاء الذين لم يتم تسجيلهم.

 

في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش، كتب وزير العدل، داداه:

 

لقد تطرقت رسالتكم... لعملية تقييد المواطنين الموريتانيين في سجل السكان وصعوبة حصولهم على الوثائق المدنية، بالرغم من أن العملية تسري في ظروف طبيعية واعتيادية والدليل على ذلك هو أن هذا المشروع الطموح تمكن لحد الآن من تقييد الغالبية الساحقة للمواطنين والأجانب المقيمين، بحيث فاقت نسبة المقدين 95 في المائة مقارنة مع التعداد العام للسكان والمساكن الذي تم إجراؤه في مطلع العام 2013، ولا يزال العمل متواصلا. ولكن المزعج في الموضوع بالنسبى للبعض هو إجراءات التأكد من الهوية الذي لا بد منه ليستنى لجميع المواطنين الموريتانيين والموريتانيين وحدهم الحصول على وثائق مدنية مؤمنة، مع مراعاة حق كافة الأجانب المقيمين والعابرين في موريتانيا ضبط وتسوية وضعياتهم على التراب الموريتاني.

 

ما هو مزعج بالنسبة للبعض هو إجراءات التحديد والتأكد من الهوية التي ليتسنى للموريتانيين، والموريتانيين فقط، الحصول على الوثائق المدنية المُعتمدة، مع مراعاة حقوق جميع الأجانب المُقيمين والعابرين للتراب الموريتاني، لتسوية وضعيتهم القانونية على الأراضي الموريتانية.

 

لن يفوتني أن أعرب لكم عن استغرابنا لانجراف منظمة هيومن رايتس ووتش وانخراطها دون تحقق وراء الادعاءات الكاذبة والمغالطات التي لا أساس لها من الصحة، والتي لا تعدو كونها افتراءات مغرضة. فالإحصاء أو تسجيل المواطنين وحصولهم على وثائق الهوية لم يكن في يوم ذي طابع انتقائي ولو كان الأمر كذلك لما تحققت النتائج المتوخاة منه وفي الآجال المحددة لها، والتي يشهد القاصي والداني على انخراط كافة المحتمع الموريتاني فيها بمختلف فئاته.

 

ولكونها منظمة تتحدى هذه المزاعم الرسمية بأن عملية التسجيل غير تمييزية، تعرضت لا تمس جنسيتي لرفض حصولها على وضع قانوني. قال جا لهيومن رايتس ووتش إنه كلما حاولت لا تمس جنسيتي التسجيل، " كانوا يُحيلوننا من مكتب إلى آخر، لكن لا أحد منهم يستلم ملفنا".[92]

 

المسؤولون مصرون على رفض الاعتراف بلا تمس جنسيتي. أوضح وزير العدل، داداه: "لا نقبل اسمهم تحديدا. ليس هناك أي أساس لهذا الشعار. لا أحد يتعرض للاضطهاد بسبب خلفيته العرقية، أو الدينية، أو آرائه".[93] وقال وزير الداخلية، عبد الله، إن السلطات رفضت الاعتراف بلا تمس جنسيتي لنفس سبب رفضها الاعتراف بإيرا: "إنهم يمسون بالوحدة الوطنية"، حسب قوله.[94]

 

قال جا إن قمع السلطات لأنشطة لا تمس جنسيتي العمومية الترافعية بدأ في 10 سبتمبر/كانون الأول 2011، عندما نظمت المجموعة أول مسيرة لها. قال جا: "نظمنا وقفات كل يوم خميس بين يونيو/حزيران [2011] وسبتمبر/أيلول [2011]. عادة لا تُزعج الشرطة الوقفات، لكنها تُفرق المسيرات".

 

في 10 سبتمبر/كانون الأول 2011، كان الأمين العام للا تمس جنسيتي، عباس دياغانا، يُصور وقفة في مركز لتسجيل الحالة المدنية عندما أمسك حارس بهاتفه، وقال له إنه غير مرخص له بأخذ صور. حذفوا الصور وأعادوا إليه هاتفه. وقال دياغانا إنه غادر المكان بعد ذلك، ولم ينتبه أن حراسا يرتدون الزي المدني كانوا يتبعونه عندما اقترب من مسيرة كانت قوات الأمن تُفرقها بالغاز المسيل للدموع. وقال دياغانا إنه عندما ذهب لمساعدة الناس الذين سقطوا بسبب الغاز، اعتقلته الشرطة، ثم اقتادته إلى مركز الشرطة واحد تلو الآخر. قالوا له إنه غير مرخص لالتقاط صور وأنه ينتمي إلى جمعية غير معترف بها. احتجزوه لمدة 4 أيام، وأفرجوا عنه بعد أن وقع على التزام بوقف أنشطته في لا تمس جنسيتي وعدم مشاركته في المظاهرات.

 

اعتقلت السلطات دياغانا وستة آخرين، من بينهم عضو آخر في لا تمس جنسيتي، الشيخ ديابيرا، في 16 ديسمبر/كانون الأول 2017، وهو اليوم الذي شاركوا فيه في مسيرة في نواكشوط نظمتها المعارضة السياسية وجمعيات غير حكومية. رفع المشتركون في المسيرة العلم الموريتاني السابق كرمز للاحتجاج على استفتاء 5 أغسطس/آب الذي ألغى مجلس الشيوخ وغيّر الشعار على العلم الوطني. قال دياغانا لهيومن رايتس ووتش إن عناصر شرطة بملابس مدنية تدخلت في المسيرة لانتزاع الأعلام القديمة التي يوزعها المحتجون فيما بينهم. اعتقلوا دياغانا وديابيرا بعد المسيرة وأحضروهما، مع 5 آخرين إلى مركز الشرطة، حيث احتجزوهم يومين قبل تقديمهم أمام النيابة العامة في 18 ديسمبر/كانون الأول. رفض المدعي العام في البداية توجيه الاتهامات بسبب حمل العلم القديم. ولكن في 19 ديسمبر/كانون الأول، أحال 5 من السبعة إلى المحاكمة بتهمة العنف ضد الشرطة. حاكمتهم المحكمة في 21 ديسمبر/كانون الأول، بموجب الإجراءات المعجلة المسموح بها في قضايا التلبس، وحكمت على الخمسة بالسجن ثلاثة أشهر مع وقف التنفيذ، وأطلقت سراحهم. قال دياغانا إن الادعاء لم يقدم أي دليل على تورط الخمسة في أي أعمال عنف.[95]

 

قال جا لهيومن رايتس ووتش إن لا تمس جنسيتي نظمت، في 2011، مسيرات في المدن، بما في ذلك نواكشوط وكيهيدي في وادي نهر السنغال في الجنوب، وحشدت في بعض الأحيان أكثر من ألف متظاهر. وقال إن السلطات استخدمت القوة لقمع المسيرات، بما في ذلك واحدة في بلدة ماغاما الجنوبية، في 27 سبتمبر/أيلول 2011، حيث قُتل شاب متظاهر بالرصاص.[96] وأعطى مثالا على ذلك مسيرة نحو القصر الرئاسي في نواكشوط، في سبتمبر/أيلول 2011، حينما استخدمت الشرطة الغاز المسيل للدموع والهراوات لتفريق المتظاهرين في جادة جمال عبد الناصر. وقال جا إن بعض المتظاهرين تم اعتقالهم، ونُقل بعضهم إلى المستشفى نتيجة إصابات على يد الشرطة. أضاف أن لا تمس جنسيتي لم تعد تُنظم المسيرات والوقفات.[97]

 

حركة 25 فبراير

في 17 يناير/كانون الثاني 2011، بعد شهر على إضرام البائع المتجول التونسي محمد البوعزيزي النار في نفسه وإطلاقه شرارة الاحتجاجات التي أدت إلى ثورات في عدد من البلدان العربية، أشعل الموريتاني يعقوب ولد داود [98] (43 عاما) نفسه أمام القصر الرئاسي، على ما يبدو للاعتراض على الوضع السياسي في البلاد

 

ظهرت "حركة 25 فبراير"، التي تشبه إلى حد ما حركة "6 أبريل" المصرية، للمرة الأولى في شوارع العاصمة في 25 فبراير/شباط 2011. كانت من جملة مطالبها حل الحكومة، تخفيض أسعار السلع الأساسية، واعتراف الحكومة [99]  بالحق بالتجمع والتظاهر.

 

وصف أحد الأكاديميين الموريتانيين، حسن ولد مختار، مشهد مظاهرة فبراير/شباط 2011 التي استقطبت نحو 3 آلاف متظاهر:

 

انتشرت شعارات المساواة والوحدة الوطنية بين الموجودين وفي المظاهرات اللاحقة، بالإضافة إلى شعار الثورات العربية الذي أصبح مشهورا، "الشعب يريد إسقاط النظام". مع استمرار المظاهرات في مارس/آذار وأبريل/نيسان، ارتكزت استجابة الحكومة على مزيج من بعض التنازلات أمام مطالب المتظاهرين وتفريق المظاهرات المستمرة بالغاز المسيل للدموع. [100].

 

قال الصحفي أحمد جدو، أحد مؤسسي الحركة التي لا تملك هيكلية رسمية، ولم تسع إلى أي اعتراف رسمي، لهيومن رايتس ووتش إنها تتألف بأغلبها من الناطقين بالعربية.[101] وقال إن المجموعة نظمت أكثر من 20 مظاهرة ضخمة في 2011، أعلنوا عنها على الفيسبوك ووسائط تواصل اجتماعي أخرى، ونفس العدد تقريبا في 2012. حسب الأكاديمي الموريتاني عبد الحي دياغانا، لم تستطع الحركة "قط أن تجيّش أو تقود الجماهير الموريتانية". يرد أحد الأعضاء الأساسيين في الحركة ذلك إلى مضايقات السلطات لأعضائها، حيث اعتُقل أكثر من 100 منهم، أغلبهم لفترات قصيرة، في الأشهر الأولى بعد بدايتها.[102] قال جدو إن السلطات اعتمدت مقاربة العصا والجزرة لشرذمة المنظمين.[103]

 

مع أن المنظمة لم يعد باستطاعتها تجييش أعداد كبيرة للمشاركة في المظاهرات، استمرت بانتقاد الحكومة علنا. في أواخر 2014 مثلا، أطلقت الحركة حملة على فيسبوك تحت عنوان البلد ينزف تدعو إلى التحقيق في انتشار حمى الضنك في البلاد.[104]

 

مؤخرا، استخدمت السلطات القوة لتفريق مظاهرات سلمية بأغلبها ضد استفتاء 5 أغسطس/آب 2017 المثير للجدل. كانت هذه المظاهرات مدعومة من عدة منظمات مجتمع مدني، منها حركة 25 فبراير. فرّقت الشرطة على الأقل 4 مظاهرات مشابهة خلال الأسبوعين السابقين للاستفتاء، مستخدمةً العصي والغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين يطلقون شعارات ضد الحكومة وضد الاستفتاء، ما أدى إلى إصابة العديد منهم حسب شهود عيان أجرت هيومن رايتس ووتش مقابلات معهم. قالت المتحدثة باسم المفوضية السامية لحقوق الإنسان: "لدينا تقارير تفيد بأن الاحتجاجات التي تم تنظيمها، أولا وقبل كل شيء، لم يتم الموافقة عليها، حيث تم إرسال الطلبات للحصول على تراخيص ولم يتم الموافقة عليها أبدا. ومن ثم عندما وقعت هذه الاحتجاجات حاولت السلطات تفريقها. وعندما لم ينجح ذلك، قامت (السلطات) على ما يبدو بضرب قادة الاحتجاجات. لقد شهدنا بعض هذه الإصابات التي عانى منها هؤلاء الناس بسبب الضرب".[105]

 

في 30 يونيو/حزيران، حضر الصحفي والعضو في حركة 25 فبراير، الشيخ باي ولد الشيخ محمد، مؤتمرا صحفيا للحكومة في نواكشوط. وبعد أن حاول أحد الوزراء التقليل من أهمية آثار غلاء الطعام والوقود على الفقراء، نعته الشيخ باي بـ"الكاذب" وخلع حذاءه ورماه في اتجاه الوزير دون أن يصيبه.[106]

 

قال الشيخ باي لهيومن رايتس ووتش: "قفز الجميع عليّ وشدوني من شعري ثم داس 3 عناصر أمن على ظهري لحوالي 10 دقائق". أضاف أن الشرطة احتجزته 5 أيام في زنزانة دون أن تدعه يتواصل مع أسرته أو محامٍ، وأن الحراس رفضوا إعطاءه ما يكفي من مياه الشرب بالرغم من حرارة الصيف المرتفعة. استجوبته الشرطة 3 مرات، وكانوا يسألونه عن أسباب احتجاجه وعن أنشطة حركة 25 فبراير وأهدافها.

 

في 14 يوليو/تموز، أدانت المحكمة الابتدائية في نواكشوط الشيخ باي بتهمة "الاعتداء المادي وإهانة السلطات العمومية"، وحكمت عليه بالسجن 3 أعوام. قال الشيخ باي لهيومن رايتس ووتش إنه يوم إدانته نُقل إلى سجن في ألاك التي تبعد 250 كيلومتر، بينما كانت يداه مقيدتين خلف ظهره ورجلاه مكبلتين. وقال إن السلطات وضعته 10 أيام في الحجز الإفرادي في زنزانة بلا نوافذ في سجن ألاك وكانت يداه مقيدتين خلف ظهره. ثم خففت محكمة استئناف الحكم إلى المدة التي قضاها بالإضافة إلى 5 أشهر مع وقف التنفيذ، وأخلت سبيله في 31 يناير/كانون الثاني 2017.

 

كتب وزير العدل ولد داداه لهيومن رايتس ووتش حول الشيخ باي:

 

تمت متابعته بتهمة الاعتداء المادي وإهانة السلطة العمومية، وهي الأفعال المنصوص عليها في المواد 204 و210 و212 من القانون الجنائي، وتمت محاكمته وإدانته بالحبس سنة سبعة أشهر منها نافذة. وبخصوص اعترافاته، لقد صرح المعني نفسه للمحكمة خلال محاكمته بأن الشرطة لم تعذبه، كما أقر وتمسك بكل ما في المحضر من أقواله التي سبق أن وقع عليها طواعية. أما عن عزله الانفرادي في السجن، فوقع بسبب مخالفته المتكررة للنظام الداخلي للسجن، كإدخال واستخدام وسائل الاتصال المحظورة، وسوء السلوك، إلخ.

 

ضحايا يطالبون بتعويضات عن انتهاكات خلال الإرث الإنساني

تعترف السلطات الموريتانية بطريقة عامة وغامضة بأن عملاء الدولة ارتكبوا انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان خلال الإرث الإنساني، لكنها تصر على أن الدولة تعاطت بشكل مناسب مع الأمر وأن هذه الصفحة قد طويت الآن. وتُظهر رسالة وزير العدل داداه لهيومن رايتس ووتش عدائية تجاه منتقدي تعاطي الدولة مع الإرث الإنساني، بما في ذلك قانون العفو الذي يحمي مرتكبي الانتهاكات الخطيرة من أي محاسبة:

 

ملف الإرث الإنسامي تمت معالجته وتسويته تماما بما يرضي الموريتانيين الغيورين على وطنهم

 

وفقا للتقاليد السمحة والحكمة التي طبعت الشعب الموريتاني على مر العصور وجنبته العواقب الوخيمة التي كان وما يزال يخطط لها المرجفون العاملون على بيع ضمائرهم لكسب بضعة دراهم يتاجرون لأجلها على حساب تنوع ووحدة وتضامن الشعب الموريتاني. ويلاحظ للأسف تعلقكم ومناهضتكم لقانون العفو لسنة 1993 الذي لم يعد موضعا للحديث نظرا لتجاوزه وطي ملف الإرث الإنساني ضمانا لحقوق الضحايا والمتضررين بحكمة ومسؤولية....

 

في ظل اعتبار الوزير كل من يعارض تعامل الدولة مع الانتهاكات السابقة "مرجفين" غير وطنيين، ليس من المفاجئ رؤية السلطات تتحرك ضد الجمعيات والأفراد الذين يعارضونهم في هذا الصدد.

 

مامادو كانيه، أحد الضباط المدانين والذي سُجن بسبب أعمال متعلقة بانقلاب 1987 الفاشل، هو رئيس مجموعة تنسيق ضحايا القمع التي تأسست في 2006 للدفاع عن ضحايا الإرث الإنساني وأُسرهم. قال كانيه لهيومن رايتس ووتش إن التعويضات التي قدمتها حكومة الرئيس عبد العزيز لم تكن ملائمة: "ليس بإمكان [الرئيس] أن يقدم غير التعويضات والاستذكار – دون العدالة والحقيقة".[107] أضاف أن عملية التعويض على الضحايا والناجين التي اعتمدتها الدولة لم تكن مستقلة ولا شفافة.

 

قالت ميمونة ألفا سي، الأمينة العامة لمنظمة "تجمع أرامل العسكريين والمدنيين ضحايا أحداث 1989 –1991"، لهيومن رايتس ووتش إنها أمضت 3 أشهر تبحث عن زوجها، با إيدي حسن، بعد اعتقاله في 26 نوفمبر/تشرين الثاني 1990. [108]لاحقا قال لها أشخاص اعتُقلوا بنفس الفترة مع زوجها، الذي كان ضابط في الجمارك، إنه قُتل في الصباح التالي لاعتقاله: "جل ما قالته لي السلطات إنه توفي بنوبة قلبية. لم يقولوا لي لماذا اعتُقل ولم يدعوني أرى جثته ولا أعرف أين دُفن".[109] وقالت فاطماتا ييرو سال لهيومن رايتس ووتش إنها لم تر أخاها بعد اعتقاله في ديسمبر/كانون الأول 1990، بينما قالت أيساتا مامادو آن إنها لم تر زوجها بعد اعتقاله في نفس الشهر.[110]

 

قالت ألفا سي لهيومن رايتس ووتش إن مطالب المجموعة تتخطى التعويض المالي وتتضمن محاسبة الضباط الكبار المسؤولين: "نريد الحقيقة والعدل بما في ذلك للجنرالات، ونريد تعويضات وأن نعرف مكان الأموات". كما أضافت ألفا سي أن التعويضات المقدمة لأُسر الضحايا لم تكن كافية.[111]

 

أما كانيه، الذي حكمت محكمة عسكرية بسجنه مدى الحياة مع الأشغال الشاقة ولكن أُفرج عنه بعد 3 سنوات ونصف، فقال لهيومن رايتس ووتش إنه حصل على مبلغ مقطوع كتعويض، غير أن السلطات رفضت دفع تكاليف إعادة تأهيله. [112]قال أيضا، إن عدم شطب السلطات سجله الإجرامي يعني أن السنوات التي قضاها في السجن لن تُحتَسب في سنين الخدمة عند حساب تعويضه لدى نهاية الخدمة.[113]

 

عرقلت السلطات الموريتانية جهود المجموعتين في معارضة تعاطي الدولة مع الإرث الإنساني. قال مامادو كانيه

 

لهيومن رايتس ووتش إن السلطات رفضت إعطاءه علم وخبر (وثيقة تؤكد أن الجمعية قامت بالإجراءات التسجيل اللازمة) بعد انتخابه رئيسا لمجموعة تنسيق ضحايا القمع، وهي وثيقة عليه إظهارها عند استئجار أماكن لإقامة نشاطات. أضاف أنها عرقلت محاولات إحياء ذكرى الإعدامات التي حصلت في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 1990، يوم احتفال موريتانيا باستقلالها. [114]وقال:

 

في يوم الاستقلال [في 1990] جلبوا 28 عسكريا من السجن وشنقوهم. ونحن نحاول سنويا إحياء ذكرى هذا اليوم في أماكن عامة. وإذا سمعت الشرطة بخططنا فإنها تمنعها. ... في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، أردنا أن نقيم نشاطا في السبخة [إحدى ضواحي نواكشوط]، لكن الشرطة منعتنا.[115]

 

قالت ألفا سي إن السلطات تسمح بالعادة للمجموعة بالقيام بحملات بدون عراقيل، ولكن في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2016 منعت الشرطة مسيرة في نواكشوط يحمل المشاركون فيها صور أقربائهم المتوفين. [116]

 

ثم في اليوم نفسه في 2017، اعتقلت الشرطة ألف سي، بالإضافة إلى عضوين في جمعيتها وشخصين آخرين. قالت لهيومن رايتس ووتش:

 

قرر الرئيس أن يتوجه إلى كيهيدي، فقررنا نحن أيضا الذهاب هناك، لنقول، "ما زلنا هنا". فتحنا لافتاتنا – المعتادة بشأن الذكرى، الحقيقة، التعويض، عدم العفو دون العدالة – بينما كان موكب الرئيس يمر قربنا. حينها، أتى رجال بملابس مدنية وأمسكونا.[117]

 

قضايا حرية التعبير

تبيّن قضيتا ضابط متقاعد في الجيش ومدوّن شاب ما يمكن أن يحصل مع أفراد، لا ينتمون إلى أي منظمة رسمية، يتطرقون إلى مواضيع تمس بقضايا إثنية أو طبقية بطريقة مستفزة.

 

محمد الشيخ ولد امخيطير

اعتقلت السلطات محمد الشيخ ولد امخيطير في 2 يناير/كانون الثاني 2014 بتهمة الزندقة على خلفية مقال نشره 3 أيام قبل اعتقاله على موقع "أقلام حرة" (aqlame.com) الموريتاني. [118]ينتمي امخيطير إلى طبقة مجتمعية دنيا من البيضان تُعرف باسم "لمعلمين" (الحدادون). ينتقد في هذا المقال الموريتانيين الذين يستشهدون بأمثلة من حياة النبي محمد لتبرير التمييز العرقي أو الطبقي.[119]

 

أثار مقال امخيطير مظاهرات ضخمة أمام القصر الرئاسي، تضم متظاهرين من تيارات إسلامية مختلفة تدعو إلى إعدامه. [120]توجه الرئيس عبد العزيز لأحد هذه التجمعات في 10 يناير/كانون الثاني 2014 قائلا، حسبما نقلت وسائل إعلامية، إن هذا المقال يشكل "جريمة نكراء" وإن على وسائل الإعلام "احترام ديننا وعدم المساس به تحت أي ظرف".[121]

 

في 24 ديسمبر/كانون الأول 2014، أدانت محكمة نواذيبو الابتدائية امخيطير بتهمة الزندقة بموجب المادة 306 من القانون الجنائي و"الاستهزاء" بالنبي وحكمت عليه بالإعدام.[122]

 

موريتانيا هي إحدى الدول القليلة التي تحكم بالإعدام على المتهمين بالزندقة.

 

قالت لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهي هيئة خبراء محلفين مكلفة مراقبة التزام الدول بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في تعليق عام حول المادة 19 من العهد التي تنص على حرية التعبير إن "حظر إظهار عدم الاحترام للدين أو المعتقدات، بما في ذلك قوانين التجديف، لا تتفق مع العهد"، إلا إذا كانت تحرض على

 

التمييز أو العنف أو العدائية. علاوة على ذلك، المادة 6 من العهد، الذي صادفت عليه موريتانيا، تنص على أنه لا يجوز في البلدان التي لم تلغ عقوبة الإعدام أن يُحكَم بهذه العقوبة "إلا جزاء على أشد الجرائم خطورة".

 

في 21 أبريل/نيسان 2016، أيدت محكمة الاستئناف حكم الإعدام بحق امخيطير لكن بتهمة الكفر بدل الزندقة.[123]

 

بموجب المادة 306 من القانون الجنائي، يحق للمحكمة العليا أن تلغي أو تخفض الحكم إلى السجن سنتين ودفع غرامة إذا ما تاب المتهم بالكفر خلال 3 أيام من ارتكابه الجريمة.

 

من المفهوم أن امخيطير أعلن توبته في جلسة استماع قبل المحاكمة في مركز للشرطة، خلال مقاضاته في ديسمبر/كانون الأول 2014، ثم أمام محكمة الاستئناف في نواذيبو.

 

في 31 يناير/كانون الثاني 2017، قضت المحكمة العليا الموريتانية بأن هناك مخالفات في الاستئناف وردت القضية إلى محكمة الاستئناف لإعادة النظر فيها. فأعادت محكمة استئناف أخرى محاكمة القضية أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2017 وفي 9 نوفمبر/تشرين الثاني أعلنت أن توبة امخيطير قانونية بموجب القانون الجنائي، وخفضت الحكم إلى السجن سنتين ودفع غرامة 60 ألف أوقية (170 دولار).

 

قدّم المدعي العام مباشرة طلبا للنقض أمام المحكمة العليا. وفي 16 نوفمبر/تشرين الثاني، وافق مجلس الوزراء برئاسة عبد العزيز على مسودة قانون يشدد العقوبات بموجب المادة 306 من القانون الجنائي، عبر إلغاء التوبة كوسيلة لتفادي الإعدام بتهمة الزندقة. حتى نهاية 2016، لم تفعّل السلطة التشريعية في موريتانيا هذا القانون. 

 

حتى منتصف يناير/كانون الثاني 2018، كانت لا توجد معلومات عن مكان امخيطير ولكن يُظَن أنه لا يزال محتجزا. لم تتكلم السلطات علنا عن مكانه أو الأساس القانوني لما يبدو أنه استمرار احتجازه.

 

قالت محامية امخيطير، فاطماتا امباي، لهيومن رايتس ووتش إنها تلقت تهديدات بالقتل لأنها مثلته في المحكمة. تعزي محاكمته إلى تأثير المجموعات الإسلامية السياسي في موريتانيا.[124]

 

من المنتقدين أيضا لمحاكمة امخيطير، أميناتو إيلي، رئيسة "رابطة النساء معيلات الأسر"، التي اتهمت السلطات بالتواطؤ مع الحملة لإخافتها وإسكاتها. وتعزي ذلك إلى موقفها، كإحدى أفراد البيضان، من قضية امخيطير والإرث الإنساني.

 

في 2014، قدمت إيلي شكوى لدى شرطة نواكشوط بعد أن اتهمها رجل الدين يحيظه ولد داهي علنا بالزندقة ودعا إلى قتلها على ما يبدو.[125]

 

قالت إيلي لهيومن رايتس ووتش إن السلطات لم تستجب لشكواها حتى ديسمبر/كانون الأول 2015 عندما استدعاها رئيس النيابة العامة في نواكشوط. وعند وصولها وجدت هناك رجل الدين الذي اتهمته بتهديدها.

 

"لم أقل شيئا. حاول ضربي ونعتني بشتى الأسماء وهدد بقتلي مجددا أمام رئيس النيابة العامة. لم يفعل رئيس النيابة العامة شيئا".[126]

 

قالت إيلي لهيومن رايتس ووتش إن رجل الدين استمر بإطلاق الاتهامات بعد الاجتماع ولكن النيابة العامة لم تتصل بها منذ ذلك الوقت ولم توجه إليها أي تهمة.

 

جوابا على سؤال حول سبب عدم ملاحقة رجل الدين من قبل السلطات، أنكر وزير العدل ولد داداه تعرّض إيلي للتهديد وقال لهيومن رايتس ووتش إن النيابة العامة لم توجه أي تهمة بسبب عدم كفاية الدلائل.[127] قال أحد أعضاء فريق الوزير لهيومن رايتس ووتش إن إيلي وداهي تصالحا.[128] أنكرت إيلي الأمر، وقالت إنها التقت رجل الدين في مكتب النيابة العامة فقط.[129]

 

قالت إيلي لهيومن رايتس ووتش إنها تتنقل حاليا مع حراسة شخصية وإن ابنها البالغ 20 عاما انتقل إلى الولايات المتحدة بعد تلقيه تهديدات بالقتل. [130]

 

عمر ولد ابيبكر

قال عمر ولد ابيبكر، العقيد المتقاعد من الحرس الوطني، في يوليو/تموز 2015، لهيومن رايتس ووتش إنه عوقب من قبل الحكومة بسبب موقفه المعلن من الإرث الإنساني.[131] قال: "يخافونني لأنني أفضحهم". وأضاف إنهم يخافونه تحديدا لأن من النادر أن ينتقد أحد أفراد البيضان، ناهيك عن ضابط متقاعد، فشل السلطات في معالجة الفظائع المرتكبة بحق الضباط الموريتانيون السود.

 

قال ولد ابيبكر لهيومن رايتس ووتش إن عناصر شرطة بملابس مدنية اعتقلوه بعد مؤتمر صحفي في نواكشوط في 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2015، اتهم خلاله السلطات التي كانت في الحكم بين 1989 و1991 بارتكاب "إبادة جماعية" يجب أن تحاكَم عليها.[132] وقال المحامي إبراهيم ولد إيبيتي، الذي حضر مؤتمر ابيبكر الصحفي وشهد على اعتقاله، لهيومن رايتس ووتش: "إنها المرة الأولى التي يتجرأ فيها كولونيل على هكذا كلام [بالعلن]".[133]

 

قال ولد ابيبكر لهيومن رايتس ووتش إنه احتُجز لأسبوع في مركز احتجاز عسكري قبل مثوله أمام النيابة العامة. وحوّل المدعي العام بيبكر إلى قاضي التحقيق المسؤول عن قضايا الإرهاب.

 

في 3 ديسمبر/كانون الأول 2015، وضع قاضٍ في محكمة نواكشوط الغربية بيبكر تحت المراقبة القضائية بينما بحثت المحكمة في اتهامه بالإرهاب والتعدي على الأمن الوطني.[134] أجبرته المراقبة القضائية على البقاء في نواكشوط وتسجيل مرور عند الشرطة كل أسبوعين. من التهم المحتملة "التحريض على التعصب على أساس الإثنية والعرق" و"التحريض على الإضرار بالأمن الوطني الداخلي والخارجي" عملا بالمادة 6(7) من قانون مكافحة الإرهاب الموريتاني لعام 2010 الذي يصنف "الدعوة إلى التطرّف الإثني أو العرقي أو الديني" كشكل من أشكال الإرهاب.[135] يعرف القانون الإرهاب على أنه "جريمة تسبب ضررا كبيرا للدولة تُرتكب بنية ترهيب الشعب أو حث السلطات على الابتعاد عن واجباتها أو تحريف قيم المجتمع الأساسية أو زعزعة البنى والمؤسسات الدستورية".[136]

 

ويخضع ابيبكر أيضا للتحقيق في انتهاكات مزعومة للمادة 33 من قانون 2006 حول حرية الصحافة، التي تحظر الخطاب المحرض على جرائم ضد أمن الدولة والمادة 34 التي تحظر الخطاب الموجه إلى المسؤولين العسكريين والذي يهدف إلى إلهائهم عن القيام بواجباتهم.[137]

 

في نوفمبر/تشرين الثاني 2016، تقدمت فاطماتا مباي بطلب لدى المحكمة نفسها لرفع المراقبة القضائية المستمرة منذ 11 شهرا الآن. رفضت المحكمة طلبها في قرار صادر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2016. أيدت محكمة الاستئناف في نواكشوط القرار في 17 يناير/كانون الثاني 2017 موضحةً أن قضية المتهمة تتضمن خطرا محتمل، وأن التحقيقات في جرائمها المزعومة لا تزال جارية.[138] تقدم ابيبكر بطلب لدى المحكمة العليا لاسترجاع جواز سفره من السلطات، التي صادرته بُعيد اعتقاله مع حاسوبه وهاتفه الخلوي.

 

يرد ابيبكر عدم تقديم السلطات قضيته إلى المحكمة إلى خوفها من أن تشكل المحكمة منصة يمكنه أن يتكلم عبرها عن مجزرة بحق ضباط سود في الجيش في بلدة إينال في نوفمبر/تشرين الثاني 1990.[139]

 

حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كان ولد ابيبكر لا يزال تحت المراقبة القضائية، دون أن يطرأ أي تطور بخصوص توجيه التهم إليه أو إسقاطها. توقف عن تسجيل حضوره لدى الشرطة، ولكنه لم يسترد حاسوبه أو جواز سفره أو هاتفه الخلوي، وبالتالي لا يستطيع السفر إلى الخارج.[140]

 

كتب وزير العدل ولد داداه إلى هيومن رايتس ووتش حول ولد ابيبكر:

 

[هو] متابع بتهم التحريض على التعصب العرقي والعنصري والتحريض على الإضرار بالأمن الداخلي والخارجي للدولة، وهي أفعال يعاقب عليها القانون الجنائي الموريتاني، وفقا لمقتضيات قانون مكافحة الإرهاب وقانون حرية الصحافة. وفيما يتعلق بوضعه تحت المراقبة القضائية، فهذه الوضعية الجنائية إنما هي إجراء بديل للحبس الاحتياطي، ويمكن أن ويوضع أي متهم تحتها وفي أي مرحلة من مراحل التحقيق. وقد تقدم دفاع المعني بالطعن ضد آخر قرار يصدر في حقه، ولا يزال القرار معروضا أمام المحكمة العليا.

 

 

III. الإطار القانوني

الواجبات القانونية الدولية

صادقت موريتانيا على "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية"، "العهد الدولي الخاص بالحقوق

 

تُلزِم اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز الدول الأعضاء أن "تتخذ كل دولة طرف تدابير فعالة لإعادة النظر في السياسات الحكومية القومية والمحلية، ولتعديل أو إلغاء أو إبطال أية قوانين أو أنظمة تكون مؤدية إلي إقامة التمييز العنصري أو إلى إدامته حيثما يكون قائما".[141]

 

وتُورِد الاتفاقية، في المادة 5، الحقوق الأساسية المنصوص عليها في أدوات حقوقية جوهرية أخرى، على أنها ضرورية لضمان التزام الدول بواجباتها للقضاء على التمييز العرقي وتعزيز التفاهم.[142] من هذه الحقوق، الحق في الجنسية والحق في حرية الاجتماع السلمي وتكوين الجمعيات السلمية أو الانتماء إليها.

 

موريتانيا طرف في "الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب"، وهي عضو في "المحكمة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب". في يوليو/تموز 2016، رفعت تقريرا دوريا حول تطبيق الميثاق إلى اللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان والشعوب.[143] وقد صادقت على "الميثاق الأفريقي لحقوق ورفاهية الطفل" وعلى "بروتوكول الميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة".

 

القوانين المحلية

الدستور

ينص الدستور الموريتاني على مجموعة واسعة من حقوق الإنسان الممنوحة لمواطنيها. فالمادة الأولى من الدستور تضمن تساوي جميع المواطنين أمام القانون وتحظر "كل دعاية إقليمية ذات طابع عنصري أو عرقي". والمادة العاشرة تضمن لكافة المواطنين الحق بحرية التنقل وحرية التعبير وحرية الاجتماع وإنشاء الجمعيات. المادة الحادية عشرة تعطي المواطنين الحق بالانتساب إلى الأحزاب شرط أن لا تمس "من خلال غرضها ونشاطها بالسيادة الوطنية والحوزة الترابية ووحدة الأمة والجمهورية". ويضمن الدستور أيضا "شرف المواطن وحياته الخاصة وحرمة شخصه ومسكنه ومراسلاته".

 

تحظر المادة 13 من الدستور الحرمان الاعتباطي للحرية. [144]

 

القانون الجنائي

يحكم القانون الجنائي لعام 1983 بالإعدام على مرتكبي جرائم منها   الزنا عندما يكون الجاني متزوجا أو مطلقا، المثلية الجنسية، والزندقة.[145] يعطي القانون السلطة للمحكمة العليا لتخفيض أو إلغاء الحكم أو الحكم بالسجن على "المرتدين" الذين يتوبون في مهلة 3 أيام بعد ارتكابهم جريمتهم. [146]

 

حرية التجمع

ينص قانون 1973 حول التجمع العام على أنه يجب الإعلان عن أي تجمع عام أمام السلطات الإدارية المخولة قبل 3 أيام كاملة على الأقل من التجمع.[147] بالتالي، النظام القانوني هو نظام إخبار وليس لطلب إذن.

 

قانون الجمعيات 1964

بموجب قانون 1964 المتعلق بالجمعيات، توافق وزارة الداخلية أو ترفض طلبات الترخيص المقدمة من قبل جمعيات المجتمع المدني. وبإمكانها إلغاء الوضع القانوني للمنظمات التي: تدعو إلى مظاهرات "تهدد النظام والأمن العامين"؛ أو "التي تقوم بدعاية معادية للوطن"؛  أو "تمارس تأثيرا مفزعا على نفوس المواطنين"، وذلك بدون الحاجة إلى موافقة المحكمة المسبقة.[148] كما يحكم بالسجن بين سنة و3 سنوات على كل من يستمر بإدارة منظمة غير مرخصة، والسجن بين 6 أشهر وسنة لكل من يشترك في فعاليات منظمة غير مرخصة.[149] إحدى الجرائم التي أُدين بها 13 عضوا في إيرا بالإعدام في أغسطس/آب 2016 (أنظر أعلاه) كانت الانتساب إلى منظمة غير مرخصة.[150]

 

لا يزال مشروع قانون من المفترض أن يحل محل قانون 1964 قيد الدرس، بعدما وافق عليه مجلس الوزراء في 2016. يقول وزير العدل داداه في رسالته إلى هيومن رايتس ووتش، إن مشروع القانون سيحترم "ضمان ممارسات الحريات والحقوق وتكريس الالتزامات الدولية ذات الصلة ووفقا للنظام القانوني الموريتاني". (أنظر الملحق 2)

 

غير أن مشروع القانون يُعتبر خطوة إلى الوراء في كثير من النواحي مقارنة بقانون 1964. ففي حين لا يذكر الأخير النشاط السياسي، يمنع مشروع القانون الجمعيات من القيام بأي نشاط يُعتبر "سياسيا" وينص على حل المنظمات التي تقوم بهكذا نشاطات.[151] تحظر المادة 6 من مشروع القانون إنشاء أي جمعية يصفها القانون بأن لديها أهداف تتعارض مع الإسلام أو تضعف أنشطتُها الوحدة الوطنية.[152]

 

يقسم مشروع القانون جمعيات المجتمع المدني إلى 3 فئات، تبعا لنطاق عملها: وطنية، جهوية (على صعيد الولاية) ومحلية (المقاطعة).[153] ولا تزال سلطة الموافقة أو عدمها على طلبات الجمعيات العاملة على المستوى الوطني بيد وزارة الداخلية؛ بينما تقرر السلطات الإقليمية والمحلية في طلبات المنظمات العاملة على قضايا ضمن صلاحياتها.[154]

 

في حال الموافقة عليه، يقتضي مشروع القانون من الجمعيات تقديم معلومات في طلبها للاعتراف الرسمي، أكثر بكثير من المعلومات المطلوبة بموجب القانون الحالي. فالقانون الحالي يقتضي من المؤسسين تقديم اسم وأهداف جمعيتهم ومكان عملها وأسماء ومهن وأماكن سكن وجنسيات المسؤولين والمديرين فيها. أما مشروع القانون الجديد فيقتضي أن تقدم الجمعية، من جملة ما تقدم، محضر الاجتماع التأسيسي ونسخة عن نظامها الداخلي. كما يفرض على المنظمة تقديم أرقام الهواتف وأرقام التعريف الوطنية لمديريها. ويجب تقديم الطلب في 3 نسخ يوقع ويشهد عليها محام.[155]

 

نشرت "منظمة العفو الدولية" و20 منظمة موريتانية ودولية بيانا في 2 يونيو/حزيران 2016، تعترض فيه على مشروع القانون على أساس أنه ينتهك الحق في حرية التجمع.[156]

 

لم تنشر لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أي تعليق يفسر حرية التجمع التي تحميها المادة 22 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية. لكنها أكدت أن على الدول الأعضاء أن "اتخاذ جميع التدابير المناسبة لتفادي العقبات والتقييدات غير الضرورية التي فرضت، قانونيا أو عمليا، على أنشطة منظمات المجتمع المدني".[157]

 

قال المقرر الخاص المعني بالحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات في تقرير في 2014:

 

في حال وجود نظام للتسجيل، ينبغي صياغة شروط التسجيل على نحو لا يحرم أحدا من تكوين جمعيته، سواء بسبب وضع شروط إجرائية مضنية أو فرض قيود لا مبرر لها على الأنشطة الأساسية للجمعيات. وعلى الدولة واجب اتخاذ تدابير إيجابية للتصدي لتحديات معينة تواجهها الفئات المهمشة، مثل الشعوب الأصلية والأقليات والأشخاص ذوي الإعاقة والنساء والشباب، فيما تبذله من جهود لتكوين الجمعيات. [158]

حسب تقرير أعده "المركز الدولي لقانون المنظمات غير الهادفة للربح" لـ "معهد المجتمع المنفتح"، من شأن إعطاء سلطة حل المنظمات غير الحكومية للوزارات والهيئات الحكومية أن "يؤثر في استقلالية المنظمات المدنية وأنشطتها" ويوصي بأن يوفر القانون عقوبات أخرى – مثلا، غرامات تتحدد تبعا لنوع الانتهاك.[159] يوصي المركز الدولي لقانون المنظمات غير الهادفة للربح أن يكون إنهاء وجود منظمة أو حلها "الملاذ الأخير" وأن يُلجأ إليه "فقط في حالات الانتهاكات الصارخة والأكثر جدية وخطرا – باستثناء حالات التورط في أكثر المخاطر تهديدا بضرر يتعذر إصلاحه – عندئذ وفقط، بعد إعطاء المنظمة المدنية الفرصة لتصحيح سلوكها".[160]

 

التشريعات ضد الرق وضد الإرهاب

أقرت موريتانيا قانونا يحظر الرق في 1981، لكنها لم تجرمه حتى 2007.[161] كلف قانون 2007 "برنامج مكافحة آثار الاسترقاق" لمواجهة إرث العبودية. في مارس/آذار 2013، استبدلت السلطات البرنامج بـ "الوكالة الوطنية لمحاربة آثار الاسترقاق ومكافحة الفقر والدمج"، المعروفة أيضا باسم "التضامن".

 

أدى تبني موريتانيا لخطة طريق في 2014 لمواجهة الرق، انطلاقا من توصيات المقررة الخاصة للأمم المتحدة غلنارا شاهينيان، إلى تبني الحكومة قوانين أكثر صرامة في مكافحة الرق في سبتمبر/أيلول 2015. ومن جملة الأمور، القانون 2015-031 الذي يجرم الرق ويكافح الممارسات الشبيهة به، ضاعف مدة السجن لجريمة الرق من 10 إلى 20 سنة، وخلق محاكم متخصصة لمحاكمة الرق والممارسات الشبيهة به. [162]

 

رحب تقرير مشترك بين عدة منظمات غير حكومية بالقانون لمناهضة الرق، لكنه حذّر من أن القانون لن يكون فعالا إلا إذا التزمت الشرطة والنيابة العامة والقضاة بتنفيذه.[163] حتى يومنا هذا لم تدِن السلطات إلا قضيتَيّ استعباد، واحدة بموجب قانون 2007 والأخرى بموجب القانون 2017.[164] في القضية الأخيرة، حُكم على أحمد ولد حسين بالسجن سنتين ودفع غرامة 4,700 دولار قريبا في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 بعد أن أدانته المحكمة باستعباد الأخوين سعيد وياريغ ماعطالله، وكان عمرهما 16 و14 على التوالي، عندما قابلتهما هيومن رايتس ووتش في مارس/آذار 2017.[165]

 

القانون رقم 2013-011 الصادر في 23 يناير/كانون الثاني 2013 الذي يعاقب جرائم الاسترقاق والتعذيب بوصفها جرائم ضد الإنسانية جعل من التعذيب جريمة محددة، لكن دون تعريفها.[166]

 

وتبنت الحكومة في 2015 أيضا قانونا لمناهضة التعذيب يعرف التعذيب بالصيغة نفسها الواردة في المادة الأولى من اتفاقية مناهضة التعذيب. كما ألغى واستبدل قانون 2013 المذكور أعلاه حول مناهضة الاسترقاق والتعذيب.[167] وفي نفس السنة، تبنت الحكومة قانونا آخر ينشئ "الآلية الوطنية للوقاية من التعذيب"، بالتوافق مع التزاماتها بموجب البروتوكول الاختياري في اتفاقية مناهضة التعذيب.[168]

 

تقدم المادة 4 من قانون 2015 لمناهضة التعذيب ضمانات لجميع الأفراد المحرومين من الحرية، منها الحق بالوصول إلى محام منذ بداية الحرمان من الحرية، والحق بالمثول أمام قاض دون تأخير، وأن تنظر محكمة بقانونية احتجازهم.[169] كما يقتضي القانون من السلطات القضائية أن تقوم بتحقيقات محايدة في مزاعم التعذيب المعقولة وأن تقدم تعويضات، بما فيها التعويض المالي، لضحايا التعذيب.[170]

 

وتعزز هذه الأحكام في المادة 4 إلى حد كبير حقوق الأفراد المحتجزين بالوصول إلى محام، بالمقارنة مع مدونة الإجراءات الجنائية، التي تسمح للأفراد بالوصول إلى محام لأول مرة عند انتهاء فترة الحراسة النظرية الأولى. في حين تُحدَّد فترة الاحتجاز الأولى بـ 48 ساعة، يمكنها أن تصل إلى 30 يوما في حالة المتهمين بجرائم تتعلق بالأمن الوطني الداخلي أو الخارجي أو التعذيب.[171] علاوة على ذلك تنص المادة 58 من قانون الإجراءات الجنائية على أن بإمكان النيابة العامة تأجيل اتصال المحتجز بمحاميه، إذا تطلب التحقيق ذلك، وهو معيار متساهل جدا.

 

وجهت هيومن رايتس ووتش خطيا (أنظر الملحق 1) للسلطات سؤال إذا ما كان هناك خطط لتعديل قانون الإجراءات الجنائية لضمان التناسق مع أحكام قانون 2015 لمناهضة التعذيب، الذي يعطي جميع المحتجزين الحق بمحام في بداية أي فترة احتجاز، وإذا ما أبلغت الشرطة والنيابة العامة والقضاة بأولوية القانون الجديد على قانون الإجراءات الجنائية في ما خص الحق بالوصول إلى محام. لم تجب السلطات على هذين السؤالين.

 

في ديسمبر/كانون الأول 2016، نشر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بالتعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، خوان منديز، تقريرا انطلاقا من بحث أجراه في موريتانيا في يناير/كانون الثاني 2016.[172] أثنى منديز على قانون 2015 لمناهضة التعذيب لكنه أشار إلى مشاكل مستمرة، قائلا إن التعذيب وسوء المعاملة "لا يزالان يحصلان بكثرة، خاصة في المراحل الأولى للاعتقال والتحقيق، وغالبا بهدف الحصول على اعترافات".[173]

 

قال المقرر الخاص إنه "قلق بشدة" من وجود "نمط ممنهج" لاستخدام سوء المعاملة والتعذيب خلال الاحتجاز لدى الشرطة في قضايا تتعلق بأمن الدولة الإرهاب:

 

قال الذين أُجريت معهم مقابلات إنهم تعرضوا لحرمان قاس من النوم، وكُبِّلت معاصمهم وكواحلهم، وأُجبروا على تحمل وضعيات ضغط لعدة أيام وعُلقوا في الهواء من أيديهم وأرجلهم. ودعمت فحوص الطب الشرعي هذه الادعاءات إلى حد كبير. كما حصلنا على تقارير حول الحجز الإفرادي المطول لإرهابيين مدانين. [174]

 

القانون لمناهضة التمييز

صادق البرلمان في 9 يونيو/حزيران 2017 على قانون جديد لمناهضة التمييز يتضمن أحكام يمكن استخدامها لحبس الأفراد على خلفية الخطاب غير العنيف.  تنص المادة 10 على السجن من سنة واحدة إلى خمس سنوات بحق كل من يشجع خطابا يخالف المذهب الرسمي المعتمد في موريتانيا.[175] يمكن تطبيق هذا المعيار الغامض على الأفراد الذين ينتقدون سلميا الإسلام كما يمارس في موريتانيا، وهو ما فعله بعض النشطاء المعارضين للعبودية والتمييز، مثل بيرام ولد اعبيدي  ومحمد الشيخ ولد امخيطر.

 

IV. شكر وتنويه

أجرى البحث لهذا التقرير وصاغه نيكولاس مكغيهان، الذي كان حينها باحثا أولا في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا

 

إبراهيم الأنصاري، الذي كان حينها مساعد أبحاث في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، قدم دعما بحثيا. قدم المساعدة في الإنتاج كل من: منسقة في قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؛ ربيكا روم فرانك، منسقة النشر والصور؛ فيتزروي هوبكينز، مدير إداري؛ وخوسيه مارتينز، منسق إداري أول.

الاخبار