الأمن الموريتاني والأجانب غير الشرعيين: معركة كر وفر لا تنتهي...!ّ؟

أحد, 10/16/2016 - 14:46

 على بعد مئتي ميل من العاصمة الموريتانية نواكشوط، تقع مدينة روصو أهم نقاط المرورالسبع والأربعين التي يعبر منها المهاجرون السريون نحو الأراضي الموريتانية وهم في طريقهم لخوض عباب بحر الظلمات متوجهين إلى جزر الكناري الاسبانية.

تحولت روصو إلى «مدينة تجميع وترحيل» المهاجرين ونقطة مواجهات للأمن مع الساعين لدخول موريتانيا للإقامة غير القانونية فيها أو للعبور منها نحو أوروبا الفردوس الذي يحلم به شباب دول غرب افريقيا الذين تطاردتهم البطالة ويدفع بهم الفقر لإلقاء أنفسهم إلى التهلكة.
لا يجد الأجانب المقيمون في مدينة روصو الحدودية ما يجده الأجانب المقيمون في العاصمة نواكشوط أو المدن الموريتانية الأخرى والذين لا يتوفرون على بطاقات إقامة. في كل يوم يرحل الأمن الموريتاني عشرات من هؤلاء الأجانب نحو مدينة روصو انطلاقا من مركز تجميعهم في نواكشوط وذلك في ظروف تعتبرها مصالح الأمن الموريتانية عادية ويعتبرها المرحلون «فظة وغليظة».

 

مراقبة وترحيل

ويشعر المهاجرون من مواطني دول الساحل بخوف شديد وذعر مستمر بسبب عمليات المطاردة والملاحقة والترحيل نحو الحدود التي تقوم بها مصالح الأمن الموريتانية بشكل متواصل، وسط استنكار شديد من الهيئات الحقوقية.
وتعتبر مصالح الأمن الموريتانية أن من حقها الحفاظ على الأمن وعلى سيادة البلد وهو ما يتطلب ملاحقة المخالفين لقوانين الإقامة. 
وفرضت موريتانيا عام 2012 على جميع الأجانب التقيد ببطاقة الإقامة معلنة أن الداعي لذلك هو أولا وقبل كل شيء، تأمين البلد بمعرفة من يعيشون ويتنقلون فيه.
وبدأت السلطات الأمنية عمليات مراقبة الأجانب عام 2013 على مستوى مدينة نواذيبو التي تقع على بعد 465 ميلا من العاصمة والتي يعيش فيها المئات من الأجانب غير الحاصلين على بطاقات الإقامة.
وتوسعت الإجراءات الأمنية المشددة بعد ذلك نحو العاصمة نواكشوط التي يعيش فيها المئات من المنتمين لجنسيات مختلفة. 
وتنقل السلطات الأمنية الموريتانية في عمليات شبه مستمرة، عشرات الأجانب غير المرخص لهم في الإقامة من نواذيبو إلى روصو وألزمتهم بالعبور نحو السنغال التي يفترض أنهم جاؤوا منها أصلا.

 

ملف الإقامة

وتشترط وكالة الوثائق المؤمنة المسؤولة عن منح الإقامات للأجانب، على الأجنبي الراغب في الإقامة أن يتقدم بملف يشتمل على طلب مكتوب وجواز سفر أو بطاقة تعريف صالحة لمدة خمسة عشر شهرا، وشهادة خلو من الأمراض المعدية وبطاقة براءة قضائية، إضافة إلى شهادة عمل.
ويؤكد المقيمون في موريتانيا أن الكثيرين منهم غير قادرين على توفير هذه الأوراق مما يجعلهم عرضة للترحيل من طرف الأمن. 
ويجد مواطنو دول غرب افريقيا مشاكل في الحصول على الإقامة ما عدا مواطني ساحل العاج الذين يتنقلون في موريتانيا بكل حرية، تنفيذا لاتفاق وقع بين الحكومتين 2014.

 

تزوير ومخالفات

وقدر الجنرال محمد ولد مغت المدير العام للأمن الوطني الموريتاني في خطاب بمناسبة عيد الشرطة العربية لعام 2015 عدد المرحلين بسبب مخالفة قانون الإقامة الموريتاني خلال عام 2015 بما يناهز 7420 شخصا من جنسيات مختلفة وذلك بزيادة 30 في المئة عن عدد المرحلين خلال عام 2014. 
وأكد المدير العام للأمن الموريتاني «أن الشرطة الموريتانية حجزت 45 بطاقة إقامة مزورة خلال هذه الفترة».
ونقلت منظمة «أمنستي انترناشنال»في أحد تقاريرها الأخيرة عن موريتانيا عن مسؤول أمني موريتاني قوله «إن عدد الأجانب المرحلين نحو الحدود بلغ في عام 2006 حوالي 11600 شخصا وفي عام 2007 أكثر من 7100 شخص».
وترحل السلطات الأمنية الموريتانية المهاجرين الماليين المخالفين لقوانين الإقامة نحو قرية «كوغي» المالية على حدود مالي وموريتانيا، أما المخالفون من جنسيات أخرى فيرحلون نحو مدينة روصو الموريتانية قبل أن يعادوا للسنغال التي قدموا منها أصلا».

 

أوروبا تقاوم

ومنذ سنوات ودول الاتحاد الأوروبي تشدد هي الأخرى، إجراءات تسيير موجات الهجرة بهدف التقليل من المهاجرين غير الشرعيين.
وبما أن الدول الأوروبية عاجزة عن السيطرة على المهاجرين الذين يصلون للقارة الأوروبية بطريقة فوضوية، فقد ألقت بإجراءات التشديد نحو دول الساحل والمغرب العربي التي تخضعها دول الاتحاد الأوروبي، لضغوط شديدة حولتها إلى «حراس ودرك حدود لأوروبا».
وتحدث نزاعات مستمرة بين خفر الحدود الموريتانيين والسنغاليين حول ترحيل المهاجرين غير الشرعيين فكل طرف يسعى للتخلص من مهاجريه نحو أرض الطرف الآخر.

 

أجانب مذبذبون

في هذا الإطار نقلت منظمة «آمنستي انترناشنال» في أحد تقاريرها الأخيرة، عن مواطن غاني قوله «رحلنا الموريتانيون إلى روصو وركبنا المعدية للعبور نحو الضفة السنغالية صحبة أفراد من الأمن الموريتاني لكن شرطة الحدود السنغالية رفضت استقبالنا..فقمنا بعدة دورات ذهاب وإياب بين الضفتين ولا أحد يقبل بنا، وفي الأخير قبل السنغاليون استقبالنا، وبعد أسبوع من هذه الحادثة تمكنت من العودة من جديد إلى موريتانيا وأنا حالا أسعى للتوجه إلى إسبانيا».
ومنذ عام 2006 تقول «أمنستي ناشيونال» اعتقل الآلاف من الأفارقة المهاجرين المتهمين بمحاولة الهجرة غير الشرعية إلى جزر الكناري الإسبانية حيث أعيدوا إلى مالي والسنغال دون أن يمنحوا الحق في التقاضي أمام هيئة عدلية، واعتقل عدد كبير منهم عدة أيام في مركز سجن المهاجرين غير الشرعيين في مدينة نواذيبو شمال موريتانيا.

 

معارضة تحذر

وفي سياق ذي علاقة، ندد حزب اتحاد قوى التقدم المعارض في بيان أخير له ما «تشهده العاصمة نواكشوط منذ فترة من عمليات مطاردة شبه يومية للأجانب من الأفارقة الزنوج، تقوم بها بعض الأجهزة الأمنية بذريعة البحث عن المقيمين في بلادنا بصفة غير شرعية». 
«وفضلا عن الطابع العنصري الذي يكتسي هذه الحملة، يضيف البيان، فإن ضحايا هذه الحملة، غالبا ما يعاملون بشكل متعسف ومهين ويخضعون لكل أنواع الابتزاز والاستفزاز خلال احتجازهم في ظروف أقل ما يقال عنها أنها غير إنسانية، دون تمييز بين من تستدعي وضعيته القانونية الحصول على بطاقة إقامة ومن لا تستدعي وضعيته الحصول عليها كالعابرين أو المقيمين بشكل مؤقت، ودون التمييز أحيانا بين الأجانب وبعض الموريتانيين الزنوج، بالإضافة إلى التعقيدات الإدارية التي تخضع لها مساطر الحصول على بطاقات الإقامة أصلا».
وزاد «إن اتحاد قوى التقدم مراعاة منه لقواعد العدل والإنصاف ومبادئ حقوق الإنسان وحرصا منه على حياة وأمن ومصالح الموريتانيين في البلدان التي يخضع مواطنوها لهذه المعاملة وخشية منه أن ينعكس ذلك سلبيا على علاقات بلادنا بدول المنطقة وشعوبها، يدين بشدة الطريقة العنصرية والمهينة التي تتعامل بها الشرطة مع هؤلاء الأجانب ويطالب بوضع حد لها فورا، ومعاقبة كل من يثبت تورطه في إهانتهم وابتزازهم ماديا، كما يدعو إلى التحلي بالمسؤولية والتحري عن هويات المشتبه بهم وعن وضعياتهم القانونية، قبل اعتقالهم أو حجزهم، ويطالب بتوفير التسهيلات اللازمة للحصول على بطاقة الإقامة لكل من يستدعي وضعه القانوني الحصول عليها طبقا للإجراءات القانونية العادية، ويحمل النظام كامل المسؤولية عن هذه المسلكيات السيئة ويجدد الدعوة لتجاوزها نهائيا».

 

الحكومة تفند

وقد فند الناطق الرسمي باسم الحكومة الموريتانية الدكتور محمد الأمين ولد الشيخ وزير الثقافة المعلومات التي تحدث عنها حزب اتحاد قوى التقدم، مؤكدا «استغرابه ممن يقبل بانجراف موريتانيا نحو الفوضى بإهمال مراقبة الأجانب في هذا الظرف الدولي المليء بالعمليات الإنتحارية».
وقال «إن موريتانيا تفرض، كسائر دول العالم، على جميع الأجانب استكمال إجراءات الإقامة».

 

مباغتات التسفير

يقول حاج أمدو امبو الأمين العام للرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان «إن عمليات الترحيل تتم بطريقة مفاجئة حيث لا يجد المرحلون فرصة لتحضير سفرهم بل إن بعضهم قد يعتقل وهو في الشارع، وكان من اللائق أن تمنح السلطات، حسب رأيه، للأجانب تحذيرا بأن عليهم إكمال إجراءاتهم في أجل محدد قبل مباشرة عمليات الترحيل».
ويؤكد داوودا صار رئيس مكتب الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان في مدينة روصو الحدودية «لا أحد من الأشخاص المرحلين يملك ورقة تفيد بأنه مرحل، فمعظم المرحلين تلقي عليهم السلطات الأمنية الموريتانية القبض ما بين الساعة السابعة والثامنة مساء كل يوم، وهم خارجون من مواقع عملهم أو خلال وجودهم في مطاعم شعبية، ويقاد المعتقلون إلى المفوضيات ثم إلى القضاء قبل أن يرحلوا».
وأضاف «الأشخاص المرحلون لا يملكون وثائق تفيد بأنهم مرحلون وعملية الترحيل تتم خارج الشرعية ودون مراعاة لحقوق المرحلين».

 

إخلال باتفاقيات

وعكسا لما أكده الوزير الموريتاني، ترى الهيئات الحقوقية العاملة في موريتانيا «أن عمليات الترحيل تتعارض مع حيثيات معاهدة 1951 المتعلقة بالمهاجرين التي صادقت عليها موريتانيا».
وترى الرابطة الموريتانية لحقوق الإنسان «أن هناك إخلالا بالإتفاقيات الموقعة بين موريتانيا وكل من مالي والسنغال وهي الإتفاقيات التي تنص على أن مواطني كلا البلدين يمكن أن يقيموا في البلد الآخر».
وتؤكد الرابطة «أن ترتيبات تسجيل الأجانب المنفذة في موريتانيا ترتيبات جديدة وتفرض بطاقة الإقامة مشكلات كبيرة، وعلى موريتانيا أن تلتزم بالمعاهدات التي تربطها بدول الجوار».
وأكدت في معلومات نشرها موقع «لكوري دي صحارا» الإخباري «أن الأجانب يعتقلون في العاصمة نواكشوط بعيدا عن الحدود، وقد يكون بعضهم دخل الأراضي الموريتانية بصورة نظامية وهو يسعى لترتيب إقامته أو لقضاء أيام في موريتانيا لكن هؤلاء لا يجدون تفهما من الأمن متى قررت دورياته ترحيل الأجانب».
وتضيف الرابطة «من حق موريتانيا أن تفرض بطاقات الإقامة لكن من المفروض أيضا، أن تتيح هذه البطاقات للمقيمين بعض الحقوق مثل الصحة والتعليم والعمل والواقع أن بطاقات الإقامة ليست لها أي قيمة كما أكد ذلك المقيمون، وهذا ما يدفع الرابطة للتساؤل عن فائدة هذه البطاقات المفروضة».

تسيير صعب

وحقيقة الموقف أن الأمن الموريتاني يواجه صعوبات جمة في تسيير مئات الأجانب الذين يفدون كل يوم إلى موريتانيا للعبور منها إلى جنة أوروبا أو للبحث عن العمل في موريتانيا نفسها التي أشيع عنها الكثير من ظهور لمناجم الذهب للتنقيب عن المعدن الأصفر المنثور تحت الرمل إلى الكسب في مجال الصيد البحري في شواطئ هي الأغنى في العالم بالأسماك.
ويجد الأجانب الافارقة فرصا كثيرة للعمل في موريتانيا في مجالات البناء والطلاء والسمكرة وميكانيكا السيارات وغير ذلك من المهن التي يتقننوها والتي يحتاج إليها الشعب الموريتاني الناهض.
ومن الصعب هنا التوفيق بين الضيافة والاستقبال والاستفادة من العمالة الرخيصة، وبين ضمان الأمن في عالم يعبر فيه المجرمون الحدود ويحملون معهم إلى جانب خبراتهم طباع مجتمعات أخرى غريبة على مجتمع موريتانيا المحافظ.

عبد الله مولود- «القدس العربي»