تحديات عدة تواجه تنفيذ موريتانيا إستراتيجيتها الوطنية لمكافحة الفساد

اثنين, 01/15/2024 - 11:53

تسعى السلطات الموريتانية إلى بناء منظومة تشريعية واجتماعية جديدة، بهدف مواجهة ممارسات الفساد المستشري في مختلف القطاعات ومؤسسات الدولة، وذلك عبر إرساء إستراتيجية مختلفة، تعكس وعي السلطة بمخاطر الفساد.

نواكشوط- دخلت موريتانيا مرحلة حاسمة في حربها على الفساد من خلال خطة وطنية متكاملة الأهداف منها التصدي للظاهرة على مختلف الأصعدة، ورفع التحديات التي تواجهها في هذا السياق، لاسيما من حيث الوعي الاجتماعي بإسناد جهود الدولة للإيقاع بشبكات المفسدين.

 وتولى الوزير الأول محمد ولد بلال، الجمعة، تنصيب اللجنة الوزارية المكلفة بمتابعة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، واللجنة الفنية المنبثقة عنها، وذلك خلال انعقاد أول اجتماع لهذه اللجنة.

وذكّر ولد بلال أعضاء اللجنة الوزارية خلال الاجتماع بمحورية محاربة الفساد في برنامج الرئيس محمد ولد الغزواني، وبالأهمية الكبرى التي يكتسيها في مجال العمل الحكومي، مشيرا إلى الدور المنوط بعهدتها، وخاصة في ما يتصل بالإشراف والمتابعة لتنفيذ الإستراتيجيات ذات الصلة، وبرنامج الحكامة الرشيدة.

وكلفت اللجنة الوزارية اللجنة في ختام اجتماعها، اللجنة الفنية المنبثقة عنها بإعداد خطة عمل مفصلة وواضحة المعالم في غضون شهر واحد، ليتم رفعها للمصادقة عليها من طرف اللجنة الوزارية.

والأربعاء الماضي، قالت الحكومة إنها “صادقت على مشروع مرسوم يتضمن صلاحيات وتشكيلة وهيكلة اللجنة الوطنية لقيادة الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، ويهدف إلى إنشاء آلية لمراقبة تنفيذ الإستراتيجية الوطنية لمكافحة الفساد، وتنظيم وسير عملها”، وذلك بغاية “تنسيق تنفيذ سياسة الحكومة المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته” .

 

الحسن ولد زين: توجد إرادة سياسية قويّة لمحاربة الفساد  في موريتانيا

 

وتهدف السلطات الموريتانية إلى تكريس منظومة قانونية واجتماعية لمواجهة تراكم ظاهرة الفساد التي تحولت إلى أمر واقع في أغلب القطاعات، وضربت أغلب مؤسسات الدولة.

وأكدت “أن حجم المكاسب التي تم تحقيقها منذ سريان أحكام اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد يؤكد فعاليتها ويدعو إلى ضرورة تطوير آليات استعراضها مع توسيع دائرة المساعدة التقنيّة كآلية ناجعة لتسريع تنفيذ أحكام الاتفاقية”، وهو ما أشار إليه المفتش العام للدولة في موريتانيا الحسن ولد زين أمام الدورة العاشرة لمؤتمر الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أواخر ديسمبر الماضي ، مؤكدا أن بلاده ” كانت في طليعة دول العالم التي صادقت على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في العام 2006، وأنها حريصة على تنفيذ بنودها”، مشددا على “وجود إرادة سياسية قويّة لمحاربة الفساد، مجسدة في تبني نهج عام يركز على ضرورة استئصال آفة الفساد، وفي مبادرات عمَليّة مكنت من تعزيز الإطار القانوني والمؤسسي لمكافحة الفساد بكافة أشكاله وصوره”.

وذكر ولد زين “أن موريتانيا شهدت خلال الفترة الأخيرة إصدار عدة قوانين في مجالات مكافحة الفساد، وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما راجعت القانون المتعلق بإنشاء الجمعيات وروابط المجتمع المدني لتكون هيئاته شريكا فعليا للجهات الحكومية في جهود مكافحة الفساد”، لافتا إلى “تأسيس أقطاب قضائية متخصصة في مكافحة الفساد، مما أسهم في إصدار إدانات قضائية للمتورطين في ملفات الفساد، كما تم استحداث هيئة وطنية معنية بإدارة واسترداد الموجودات كان لها الفضل في تحصيل واسترداد أموال معتبرة محصلة بطريقة غير شرعية، بالإضافة إلى تحديث الإطار القانوني المنظّم لمحكمة الحسابات ونشر تقاريرها السنوية لأول مرّة”.

وفي مناسبات عدة، تعهد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بمحاربة كل أشكال الفساد، دون انتقائية أو تصفية حسابات، وقال: “سنضاعف تركيزنا على إرساء حكامة رشيدة، وعلى محاربة كل أشكال الفساد”، وتابع إن “الفساد، بطبيعته، مقوض لدعائم التنمية، بهدره موارد الدولة، وتعطيله المشاريع عن تحقيق أهدافها”.

وأبرز ولد الغزواني أنه “لا يريد لمحاربة الفساد أن تكون مجرد شعار أو أن تتحول هي نفسها إلى فساد بالانتقائية وتصفية الحسابات”، وتعهد بأنه “سيضاعف العمل على تعزيز استقلالية السلطتين القضائية والتشريعية، وتكثيف نشاط أجهزة الرقابة والتفتيش بنشر فرقها في كل المؤسسات العمومية والقطاعات الوزارية”.

ويرى مراقبون، أن الخطة الوطنية لمكافحة الفساد، تأتي من أجل فسح المجال أمام تنمية الاقتصاد وتشجيع الاستثمار واستعادة الثقة بين المواطن والدولة، وبين المواطن والحكومة، لاسيما في ظل اتساع الظاهرة، والكشف عن جرائم فساد تورط فيها مسؤولون كبار.

 

عثمان مامادو: الإستراتيجية ستنفذ عبر خطة عمل تتألف من 110 من الأنشطة

 

وبحسب وزير الشؤون الاقتصادية الموريتاني، عثمان مامودو كان، فإن مكافحة الفساد “لاينبغي أن تكون من اختصاص الحكومة وحدها”، بل يجب الاهتمام بها من الجميع، وذلك لضمان “النجاح في هذه المهمة”، مشيرا إلى أن هذه الإستراتيجية، المخطط لها لعام 2030، تروم تحقيق أربعة أهداف هي “استعادة الشفافية وتطوير النزاهة، وخلق بيئة معادية للفساد، وإشراك وتقوية الجهات الفاعلة، وحماية القطاعات الأكثر ضعفاً”.

واحتلت موريتانيا المرتبة 140 عالميا من أصل 180، على مؤشر “الفساد” لعام 2021، وفقاً لتقرير صادر عن منظمة الشفافية الدولية، وفي سبيل جهودها لمحاربة الفساد، عزّزت ترسانتها القانونية من خلال الأحكام الواردة في قانون العقوبات، وفي قانون الإجراءات الجنائية، بقانون لمكافحة الفساد، وقانون جديد لمكافحة غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، صدر في سنة 2019.

وفي أبريل الماضي، أعلنت “أن الإستراتيجية الوطنية المستحدثة لمكافحة الرشوة للفترة 2030-2023، تهدف بشكل رئيسي إلى ضمان توعية أفضل للمجتمع بكافة فئاته، مع تعزيز السلطات وفعالية الهيئات القضائية وجهات الرقابة، ودعم دور البرلمان والمجتمع المدني في مجال مكافحة الفساد”.

وتقوم هذه الإستراتيجية على خمسة مرتكزات لها تأثير حقيقي على الرشوة، أولها الحوكمة الجيدة، ثم الوقاية والكشف عن الرشوة، ثم القمع، ثم الإبلاغ والتحسيس، وآخرها الثقافة المناهضة للرشوة.

وأبرز الوزير عثمان مامادو كان “أن الإستراتيجية ستنفذ عبر خطة عمل خاصة تتألف من 110 من الأنشطة، وأن تنفيذها سيكلف حوالي مليار أوقية ( 0.025 مليار دولار)، جديدة خلال الفترة ما بين 2023 و2030”.

وأوضح “أن المصلحة المنتظرة من هذه الإستراتيجية هي تحديد مكامن الفساد والقطاعات والوظائف الخاضعة للفساد داخل هذه المواقع”، مضيفا “أن الجانب الآخر من الإستراتيجية هو أنها تدمج الاتصال كعنصر أساسي في زيادة الوعي العام المتعلق بالفساد”.

و “في إطار عملية التحسيس، سيخصص يوم وطني لنشر محتوى الإستراتيجية الجديدة، وسيتم خلال هذا اليوم منح درع تذكاري للشخص أو المؤسسة التي تعدّ الأكثر كفاءة في مكافحة الفساد في موريتانيا”، وفق تصريحات الوزير.

 

محمد سيد أحمد بوبه: محاكمة الرئيس السابق أرسلت رسالة قوية إلى الشعب الموريتاني بأن لا أحد فوق القانون

 

وأوضح الرئيس ولد الغزواني، أنه لا ينفي وجود ظاهرة الفساد في البلاد لسببين؛ أولهما استحالة ذلك في أي بلد من العالم، والثاني أنه ليس ممن يهتمون بخطابات ديماغوجية تغطي على الحقائق، مردفا أن ما ينفيه هو تفاقمها وزيادة انتشارها في الأربع سنوات الأخيرة ، ورأى أن كشف المفتشية العامة للدولة أرقاما كبيرة في مجال الفساد، “لا يشكل دليلا على تفاقم الظاهرة، بل على العكس يدل بشكل قاطع على نجاعة وجدية عمل أجهزة الرقابة التي تكافح هذا المرض العضال المنتشر في البلد منذ عدة عقود للأسف الشديد. وكأي مرض، فكلما تحسن أداء نظام الكشف، ظهر الحجم الحقيقي لانتشار المرض في الواقع”، مردفا إنه بادر فور تسلمه مقاليد الأمور، إلى انتهاج مقاربة جديدة في مجال محاربة الفساد تقوم على المؤسسية والصرامة والاستمرارية، مع الحرص على ألا تكون محاربة الفساد هي نفسها فساد يتم في إطاره تصفية الحسابات مع البعض وحماية البعض الآخر والتستر والتعمية على فساد أكثر ضررا في مواقع خاصة.

وفي 5 ديسمبر الماضي، قضت محكمة في نواكشوط بسجن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبدالعزيز لخمس سنوات في قضية فساد، حيث اتهمته باستغلال منصبه لتحقيق إثراء غير مشروع. وحكم ولد عبدالعزيز موريتانيا بين عامي 2008 و2019. وجمع ثروة طائلة قدّرت بحوالي 67 مليون يورو حين اتهم  بالفساد في مارس 2021. وهو من رؤساء الدولة القلائل الذين مثلوا أمام المحكمة لمواجهة تهم الإثراء غير المشروع.

واعتبر المحلل السياسي محمد سيد أحمد بوبه أن “محاكمة الرئيس السابق أرسلت رسالة قوية إلى الشعب الموريتاني بأن لا أحد فوق القانون”، وأشار إلى “التزام الحكومة الموريتانية بتأسيس دولة قانون تعمل بمبدأ المساءلة والعدالة، كما أنها تعكس جهود الحكومة في إقامة نظام يحاسب المسؤولين عن الفساد بغض النظر عن وضعهم السياسي أو انتمائهم الحزبي”.

وأضاف أن “الحكومة الموريتانية شهدت اتخاذ عدد من الإصلاحات والسياسات لمكافحة الفساد وتعزيز الشفافية والحوكمة الرشيدة، ومن ذلك إنشاء هيئة مكافحة الفساد وتشديد إجراءات مراقبة المال العام وتنظيم الصفقات الحكومية، كما تم تعزيز دور الجهات الرقابية المستقلة في مكافحة الفساد، مثل المحكمة العليا والجهات النيابية والأمنية، مشيرا إلى أن هذه الخطوات تعد إشارة إيجابية لالتزام الحكومة الموريتانية بالقضاء على الفساد، وتؤكد تكثيف جهود مكافحة الفساد في موريتانيا، فالفساد يعتبر عائقًا رئيسيا أمام التنمية المستدامة وتحقيق المساواة والعدالة الاجتماعية، وبالتالي فإن مكافحته هي أساس أي سياسة حكومية ناجحة.

ويرى بوبه أن مكافحة الفساد تتطلب التعاون والتنسيق بين الحكومة والمجتمع المدني والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية. ويجب على الحكومة الموريتانية أن تستمر في تعزيز جهودها لمكافحة هذه الظاهرة السلبية، وأن تضمن التواصل المستمر مع الشعب وتعزيز ثقته في مؤسسات الدولة ونظام العدالة.

السلطات الموريتانية تهدف إلى تكريس منظومة قانونية واجتماعية لمواجهة تراكم ظاهرة الفساد التي تحولت إلى أمر واقع في أغلب القطاعات، وضربت أغلب مؤسسات الدولة

وفي هذا السياق، أعلنت منظمة الشفافية الشاملة الموريتانية غير الحكومية، عن استحداث جائزة سنوية تمنح كل سنة تزامنا مع الذكرى السنوية لمحاربة الفساد الموافق للتاسع من ديسمبر الماضي، وذلك بهدف تشجيع الصحافة الاستقصائية ونشطاء التواصل الاجتماعي في مجال كشف الفساد والتوعية بمخاطره.

وتهدف منظمة الشفافية إلى “محاربة الفساد ووضع حد للإفلات من العقاب”، وقال رئيسها محمد ولد غده في وقت سابق إن هذه المنظمة تتأسس في ظل “اتساع الفساد والإفلات من العقاب نتيجة النهج المتسامح والمتغاضي عن الفساد”، على حد تعبيره، معتبرا أن انتشار الفساد أصبح مستفزا لقطاع واسع من الموريتانيين، مؤكدا أنه “قد يهدد السلم الأهلي والاستقرار الوطني”.

ويعتقد المتابعون للشأن الموريتاني، أن معركة الحكومة مع الفساد لن يتم حسمها إلا بتنمية الوعي الاجتماعي وتحسين الظروف المالية والاقتصادية للموظفين الحكوميين في مجالات حيوية كالأمن والقضاء والخدمات، وتكريس ثقافة الحوكمة الرشيدة داخل مؤسسات الدولة وعلى رأسها الحكومة، وكذلك تشكيل منظومة للتبليغ والإرشاد والكشف عن شبكات الفساد واعتبار ذلك عملا وطنيا خالصا ولكن بمكافآت مجزية يحصل عليها المبلغون.

 

 

الحبيب الأسود

كاتب تونسي