كيف ستلعب موريتانيا أوراقها كقنطرة وصل بين جاراتها المغاربية والإفريقية؟

أربعاء, 12/27/2023 - 10:11
صورة لنقطة تفتيش حدودية بين المغرب وموريتانيا تعود إلى 23 نوفمبر 2020- ا ف ب

تفككت مجموعة دول الساحل، وطُردت فرنسا، الشريك الأبرز، من المنطقة، وانفجرت أزمة ديبلوماسية بين الجارتين الجزائر ومالي، واندفع المغرب في تنسيق ولوجية بلدان الساحل إلى الواجهة الأطلسية عبر ميناء الداخله، وغابت موريتانيا، همزة الوصل، وحضر شركاء الأمس؛ مالي وتشاد وبوركينافاسو والنيجر، في حوار الولوج لواجهة الأطلسي، واشتد، بالتوازي مع ذلك، التجاذب حدةً، بين الجزائر والمغرب، الجارتين الكبيرتين.

كل هذا حدث دفعة واحدة، ليجعل أمام ديبلوماسية موريتانيا، ذات الموقع الإستراتيجي الذي لا يمكن تجازوه في أي تواصل بين شمال إفريقيا وغربها، كثيراً من الانشغالات، وليضع على مغرفتها “خبزاً كثيراً”، كما يقول المثل الفرنسي.

 فكيف ستتعامل موريتانيا، إذن، مع هذه الملفات الحساسة المفتوحة، وكيف ستتعامل مع مساعي المغرب لجذب بلدان الساحل لفردوس واجهته الأطلسية؟ وكيف ستلعب موريتانيا في خضم هذا كله ورقتها الرابحة المتمثلة في كونها الجسر الذي لا يمكن للمغرب ولا للجزائر، إلا عبره، الوصول للساحل ولأسواق دول غرب إفريقيا؟

إعلامي موريتاني: سعت الجزائر إلى لعب دور ريادي في الساحل الأفريقي، لكنها اصطدمت بواقع معقد له أبعاد إثنية وعرقية تجعل دول المنطقة في حذر دائم من أي دور ريادي للجزائر

تابعت “القدس العربي” مختلف المواقف المغربية والجزائرية من هذا الشأن، واستجوبت عدداً من الخبراء والمختصين الموريتانيين في هذه الملفات المترابطة سياسياً وجغرافياً.

موريتانيا والواجهة الأطلسية

سجل المغرب، وإن بطريقة غير رسمية، عبر تقرير لموقع “هسبريس” الإخباري المغربي المحسوب على الحكومة، غياب موريتانيا عن حوار الواجهة الأطلسية، قبل أن يطرح تساؤلات حول “ما إن كان غياب موريتانيا مرتبطاً باختيارات الدولة الموريتانية وتوجهاتها الإستراتيجية، أم بتبعية القرار الموريتاني لبعض الفاعلين الإقليميين المعروفة مسبقاً، مواقفهم من هذه المبادرة المغربية (في إشارة للجزائر)”.

ولم يتأخر موقف الجزائر إزاء اجتماع الواجهة الأطلسية، فقد عبّر عنه موقع “الجزائر الآن” الإخباري، الذي أشاد، من جانبه، بما أسماه “رفض موريتانيا الاستجابة لدعوة النظام المغربي بالمشاركة في الاجتماع التنسيقي، الخاص بتفعيل ما يسميه المخزن “مبادرة محمد السادس الداعية إلى ولوج بلدان الساحل إلى الواجهة الأطلسية”.

وأضاف الموقع: “يبدو هذا المشروع ظاهرياً مهماً لدول الساحل، إلا أنّ باطنه يؤكد المؤامرة التي تحاك ضد الجزائر من أجل إفساد علاقتها بالدول الإفريقية، وهو ما كانت كشفته إذاعة الجزائر الدولية قبل أسبوعين”.

إسرائيل والإمارات

وأدرج الموقع الإخباري الجزائري “انخراط مالي، النيجر، بوركينا فاسو وتشاد في المبادرة “المخزنية” المغربية، مؤكداً أنه تأكيد للخطة المغربية الصهيونية الإماراتية لضرب مصالح الجزائر في قارة إفريقيا، خاصة أنّ الرباط اختارت موعد الاجتماع (السبت 23 ديسمبر 2023)، وهو تاريخ يأتي في وقت تعرف فيه العلاقات بين الجزائر العاصمة وباماكو “بعض التوتر”، وتعتقد أنّها بهذا ستزيد في تأليب الماليين على الجزائر”.

شرعية ميناء الداخله

وفي تصريحات لـ “القدس العربي”، طرح الأستاذ محمد سالم ولد محمد، الباحث فى قضايا الساحل والصحراء، شرعية ميناء الداخلة الذي تهيؤه المغرب ليكون الواجهة الأطلسية لبلدان الساحل، فأكد “أن الاجتماع التنسيقي الذي عقد بمدينة مراكش غير مؤسس على شرعية حقيقية، لأن المغرب يخطط لولوج دول الساحل عبر ميناء الداخلة، التي هي حسب قوله، مدينة من مدن إقليم الصحراء الغربية المتنازع عليه منذ خمسة عقود، والذي يخضع لقرارات للأمم المتحدة لم تطبق حتى الآن”.

تملّص مالي من اتفاق الجزائر

وقال: “من الغرابة بمكان انخراط أربع دول في اجتماع الولوجية الأطلسية، وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو والتشاد: فأنظمة هذه الدول تفتقد للشرعية، لانبثاقها عن انقلابات عسكرية فجّة، كما أن هذا الاجتماع جاء في خضم الأزمة الديبلوماسية بين مالي وجارتها الكبيرة الجزائر، وبفعل محاولة الطغمة العسكرية الحاكمة في باماكو التملص من اتفاق السلم والمصالحة بين الأطراف في مالي، وهو اتفاق دولي موقع بين الحكومة الشرعية المالية والحركات الأزوادية، وشهدت عليه الأمم المتحدة والمنظمات الدولية والإقليمية، وتتولى الجزائر رئاسة لجنة متابعته”.

إحراج موريتانيا

وزاد: “غياب موريتانيا عن اجتماع مراكش مهم، لكونه موقفاً مؤسساً على السيادة الوطنية، ولكونه يراعي مصالح موريتانيا، التي لا يمكن تجاوزها في أي مشروع أو مخطط منفذ في منطقة الساحل نظراً لموقعها الجغرافي ولمكانتها الجيوستراتيجية الهامة”.

وقال: “اجتماع مراكش بدول الساحل اجتماع مريب وغير بريء، ولعل من أغراضه إحراج موريتانيا، في وقت تجري فيه الاستعدادات الجارية لفتح المعبر الحدودي الهام بين موريتانيا والجزائر، وفيما أصدر الرئيس عبد المجيد تبون، قبل يومين، أمراً بالإطلاق الفوري لدراسة معمقة، تحضيراً لإنشاء منطقة تبادل حر بين الجزائر وموريتانيا”.

الفراغ والتقاعس

وفي تصريحات أخرى، أوضح الإعلامي الموريتاني أحمد سالم سيدي عبد الله،  المتابع لقضايا منطقة الساحل لـ “القدس العربي”، “أن منطقة دول الساحل الخمس تعيش فراغاً كبيراً في ظل التقاعس الملاحظ للدبلوماسية الموريتانية خلال السنوات الأخيرة، أو لنقل بشكل أدق تخلّيها، ربما طواعية، أو مجاملة لفرنسا، عن دورها القيادي في المنطقة، والذي تصدّت له، منذ 2014، عبر تشكيل إطار إستراتيجي له أبعاده التنموية والأمنية”.

ويضيف أحمد سالم: “هذا الفراغ انتبهت له دولٌ وازنة في الإقليم، كالمغرب والجزائر، وللتذكير؛ فإن الأخيرة سعت، بالإضافة إلى السنغال، للالتحاق بمجموعة دول الساحل الخمس بعد تأسيسها، لكن الرئيس الموريتاني السابق محمد ولد عبد العزيز رَفَضَ انضمام البلدين للمجموعة، متمسكاً بالدور القيادي الموريتاني لها”.

رفض لريادة الجزائر

وقال: “سعت الجزائر، منذ الانقلابات العسكرية التي عرفتها دول المجموعة، والتي فاقمت الأزمة الدبلوماسية بين هذه البلدان وباريس، إلى لعب دور ريادي، لكنها اصطدمت بواقع معقد له أبعاد إثنية وعرقية تجعل دول المنطقة في حذر دائم من أي دور ريادي للجزائر إقليمياً،

تساءل المغرب إن كان غياب موريتانيا مرتبطاً باختيارات الدولة الموريتانية وتوجهاتها الإستراتيجية، أم بتبعية القرار الموريتاني لبعض الفاعلين الإقليميين

وقد تفاقمت الأزمة الدبلوماسية بين الجزائر وباماكو بعد استقبال الجزائر لعدد من رموز المعارضة في جمهورية مالي، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام المملكة المغربية للبحث عن دور ريادي في دول المنطقة عبر مبادرة مراكش، لكن هذه المبادرة، التي تهدف إلى فتح واجهة المحيط الأطلسي أمام دول الساحل المعزولة، مالي بوركينا فاسو النيجر، “تواجه تحديات جغرافية، حيث ستحتاج المملكة للعب أي دور إلى ممر بري يربطها بهذه الدول، وليس أمامها على الأرجح إلا موريتانيا”.

استفاقة حكومة نواكشوط

وزاد الإعلامي أحمد سالم: “أعتقد أنه إذا استفاق النظام الموريتاني، وسعى لاستعادة مكانة موريتانيا إقليمياً، وبادَرَ لحلّ مشاكل دول المجموعة، فسيكون لموريتانيا دورٌ أبرز في إتاحة فرص أكثر واقعية أمام دول المجموعة للولوج إلى بوابة المحيط، التي تعدّ الشغل الشاغل الآن للأنظمة العسكرية الممسكة بزمام الأمور في بلدان المجموعة، والتي تواجه عزلة من طرف المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا “إيكواس”، خاصة أن ميناء نواكشوط يعدّ اليوم منفذاً رئيساً للبضائع نحو جمهورية مالي، وفي ظل وجود عدة موانئ حديثة في موريتانيا كميناءي انجاكو وتانيت، يمكن لموريتانيا أن تتيح لبلدان المجموعة الولوج إلى المحيط الأطلسي.

ويختم أحمد سالم بالقول: “وبالنسبة لي، أرى أن المغرب يسعى لسدّ فراغ إقليمي حاصل في المنطقة الساحلية، التي تشهد تنافساً من نوع آخر، أبرز الفاعلين فيه روسيا والولايات المتحدة، وتركيا وإيران”.

عبد الله مولود​

نواكشوط- «القدس العربي»