عنف المدارس في موريتانيا... المعلمون في الواجهة

سبت, 05/20/2023 - 23:07

معلم يعتدي على طفل بسبب طوبة "طائشة" من باحة المدرسة

تجلس رقية أبوبكر في ركن منزلها بحي كرفور بالعاصمة الموريتانية نواكشوط، تعاين جرح ابنها البالغ من العمر 12 عاماً، تفرح لاندماله، لكن جرحاً غائراً في نفسها لن يندمل قريباً، فقبل أسابيع تعرض طفلها الحسين لاعتداء جسدي من قبل معلم لغة عربية بالمرحلة الإعدادية.

رغم أن المعلم تم سجنه فإن الحادثة تسببت في إثارة الرأي العام، لا سيما أن المؤسسات التعليمية في موريتانيا تشهد تسجيل حوادث مماثلة كل عام، تتنوع بين الاعتداء على التلاميذ أو ضرب أولياء الأمور للمدرسين.

وعن الواقعة تقول والدة الطفل الحسين لـ"اندبندنت عربية" "تفاجأت في مساء الحادثة بصوت ابني وهو يغالب دمعه، وحين استفسرت عن السبب، أشار إلى منطقة الحوض فألقيت نظرة، وهالني ما رأيت، آثار كدمات واضحة حولت جسد الطفل إلى بقع داكنة، فأخذته إلى المستشفى وحين وصلنا هناك، أبلغني الطبيب بضرورة إجراء تدخل جراحي، وبالفعل أجرى الجراحة واستأصلوا خصيته اليمنى".

وتضيف رقية "لم يبلغني ابني بما حدث معه في صباح ذلك اليوم بالمدرسة، لقد اعتدى عليه وحش في ثوب معلم، وضربه ضرباً مبرحاً، رغم أنه لا يدرس له، فقط ضربه لأن تلميذاً رمى عليه طوبة في باحة المدرسة، وهو لا يعرفه".

لا تخفي والدة الحسين، امتعاضها من إطلاق سراح المعلم الذي اعتدى على طفلها الوحيد قائلة "الرقابة القضائية التي منحها له القاضي سيعتبرها الرأي العام انتصاراً للمعلم".

مسار الشكوى

حادثة الاعتداء على الطفل الحسين، أعادت للأذهان حالات مماثلة وقعت قبل فترات في موريتانيا، إذ تقول منسقة برنامج الحماية في الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل، سهام حمادي "للأسف الجمعية عاينت كثيراً من الحالات التي مارسها معلمون وأساتذة على تلاميذهم وطلابهم، ومن بين هذه الحالات يمكن أن نتحدث عن هذه الحالة الأخيرة التي أثارت الرأي العام حول هذا الطفل الذي اعتدى عليه معلمه، لأن المعلم جذبه من جهازه التناسلي مما أدى إلى استئصال إحدى خصيتيه".

 

أطفال موريتانيا يواجهون القبلية في المنزل والعنف بالمدرسة (اندبندنت عربية)

 

وتضيف حمادي التي تبنت حالة الطفل الحسين وواكبتها منذ الإعلان عنها "المشكلة المطروحة هي أن المعلمين مصدقون في أقوالهم ومدعومون أيضاً من طرف زملاء مهنتهم وإدارتهم، لذلك لديهم الحق في أن يعتدوا على التلاميذ من دون عقاب، ومن دون أن يكون للتلميذ أي وسيلة للجوء إلى الحماية أو طريقة للشكاية داخل المؤسسات التعليمية".

ووجهت حمادي نصيحة للمعلمين قائلة "المعلم له هيبته واحترامه، وهناك ميثاق شرف يلتزم به آباء التلاميذ، وأيضاً التلاميذ تجاه معلميهم"، مطالبة بوجود آلية للشكاوى تتاح للتلاميذ الذين يتم الاعتداء عليهم أو تهديدهم أو التحرش بهم.

وتتابع سهام القول إن "الحالات التي يتم اللجوء فيها إلى العدالة، دائماً تقع فيها وساطة اجتماعية عبر القول إن طرفين لهما نفس الانتماء وأن بعضهم من بعض، وأن ما حدث اعتيادي ولا يمكن إعطاؤه أكثر مما يستحق وأنه (مجرد طفل تم ضربه)، ويحدث ضغط اجتماعي تقوم به القبيلة وأصدقاء الأسرة، وبموجبه يتم سحب العائلة للشكوى، ويعود المعلم بعد يومين منتصراً ليمارس العنف ضد الأطفال وفي الوقت نفسه"، لافتة إلى أن المعلمين يمكن أن يؤثروا على التلاميذ لكتم الاعتداء عليهم والعنف ضدهم وذلك من خلال سياسية التهديد والترهيب النقاط بمنع نقاط الأداء الدراسي عنهم.

وطالبت منسقة برنامج الحماية في الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل سهام حمادي الأهالي بضرورة إبلاغ السلطات المعنية في حال تعرض أبنائهم للتعذيب أو العنف الجسدي أو المعنوي أو الجنسي". أضافت "لدينا ترسانة قانونية جيدة في مجال حماية الأطفال، تشمل مدونة حقوق الطفل، وقانون الحماية الجنائية للطفل، غير أن اللجوء إليها قليل، وتطبيقها قليل جداً".

قانون صارم

تتمتع موريتانيا بترسانة قانونية في مجال حماية الطفل وتجريم التعذيب، وفقاً للمتخصص القانوني بجامعة نواكشوط محمد المصطفى، الذي أشار إلى المدونة العامة لحماية الطفل في تنص على الحبس من ستة أشهر إلى سنة وغرامة من مليون أوقية (ثلاثة آلاف دولار) إلى مليونين أوقية (ستة آلاف دولار) إلى كل من تسند إليه رعاية الطفل، ويسمح له بأي عمل يتنافى مع الأخلاق الإسلامية أو بالتسبب في ضرر بدني للطفل".

ويضيف المصطفى "تكمن المشكلة أساساً في وساطات اجتماعية تحدث في مثل هذه الحالات بين المعلم وأهالي التلاميذ، وفي بيئة قبلية ليس من الصعب توقيف العمل بالمساطر القانونية، والتوصل إلى صلح ينهي المسألة من الأساس".

وضع متأزم

وعلى رغم أن قاضي التحقيق أودع المعلم المتهم بالاعتداء على الطفل السجن، قبل أن يمنح رقابة قضائية حتى موعد محاكمته، إلا النقابة المستقلة لمعلمي الثانوي التي ينتمي إليها أعلنت تضامنها معه، ووصفت في بيان لها ملابسات توقيفه بـ"المشهد الغريب الذي يمس كرامة مربي الأجيال وبناة مستقبل الأمم".

وطالبت النقابة بالتحقيق الشفاف في الحادثة، والتطبيق الصارم للنصوص القانونية الحامية للموظفين العموميين أثناء تأديتهم مهامهم.

المصدر