من أجل حــــــــوار سيـــاسي وطني، هادئ ومســــؤول

خميس, 10/08/2015 - 22:20

لقد بذلت موريتانيا خلال السنوات الأخيرة جهودا معتبرة في سبيل ترقية الديمقراطية؛ وعلى الرغم من بعض النجاحات الملحوظة إلا أن هناك عددا من التحديات ما يزال يتعين رفعها من أجل تعزيز المكاسب الديمقراطية. ذلك أن الديمقراطية، والسلم، والتنمية مرتبطة ارتباطا عضويا.

وفي الوقت الذي يواجه فيه عالمنا أزمات متعددة الأشكال، فإن تدعيم الديمقراطية، ودولة قانون قوية ومحترمة، والحكامة الراشدة تظل الوسيلة المثلى لترقية السلم والرخاء الذين يصبو إليهما شعبنا؛ ومن شأن تعزيز مؤسساتنا الديمقراطية أن يتيح لبلادنا ـ أيضا ـ التصدي لمختلف الأزمات الراهنة (مالية غذائية، إلخ.).

ومن أجل تحقيق هذه الأهداف الهامة، يتعين على فاعلينا السياسيين البارزين أن يضافروا جهودهم لتنظيم حوار سياسي وطني مثمر وجاد.

إن الأمل الذي ولدته سنوات الانتقال الديمقراطي الذي انطلق مع الجمهورية الثانية  التي أرساها دستور 20 يوليو 1991 وتلك التي تلتها (2005 ـ 2007) و2009 مع اتفاق دكار؛ يجب أن لا يتبخر.

يجب أن لا تحل محلها انحرافات محتملة تحمل بذور مستقبل غير مأمون: عدم استقرار و مخاطر صدامية بما ينجر عنها من قوافل الموتى واللاجئين، وهو ما قد يحول أي مشروع تنموي في البلد إلى سراب.

ودون تبني نظرة تشاؤمية، يجدر القول بأن على بلادنا فعل أي شيء لتجنب العدوى التي قد تنتشر بوتيرة حريق رعوي بفعل رياحنا الموسمية الخاصة.

لماذا، إذن، ننفق كل هذه الأموال على التنظيم المادي لانتخابات ما دمنا نعرف سلفا أن نتيجتها لن تحترم وتقبل من لدن الفاعلين السياسيين الجادين؟

لعلكم تدركون أن الحوار السياسي الوطني المرتقب ينبغي أن يحدد معالم وأبعاد القضايا المطروحة، والتحكم في الرهانات والوعي بتعقيدات مسارنا الديمقراطي الموريتاني مقارنة بالسياق الوطني والدولي الجديد قيد التشكل.

ينعقد هذا الحوار في فترة فارقة بالنظر إلى الأحداث الأخيرة على الساحة الدولية وأعمال العنف التي تطبع منطقتنا في الساحل والوطن العربي.

كما أود، دون استباق النقاشات المرتقبة؛ أن أشير ببساطة إلى أهمية الموضوع والرهانات الظرفية بالنسبة لموريتانيا غدا وتجنيبها، من جديد، توترات وصدامات سياسية جديدة.

يجب أن لا يكون هذا الحوار، إن جاز لي هذا التعبير، لقاء جماهيريا ولا مؤتمرا وطنيا. بل يجب أن يتناول جدول أعمال يقوم بالأساس على مواضيع الساحة الراهنة خاصة الحكامة الانتخابيىة، واحترام الدستور، والخطوط المرجعية لإستراتيجية وطنية ضمن السياق الزمني من أجل تنمية اقتصادية واجتماعية لبلدنا، وذلك بعيدا عن المواضيغ غير ذات الأولوية من قبيل تغيير النشيد الوطني، والعلم، والمواضيع الثانوية الأخرى التي تثار غالبا في هذا النوع من الأحداث.

في الديمقراطية، من الضروري تمتما وجود معارضة مسؤولة تنتقد وأغلبية مستنيرة تحكم .

ودون إهمال أو التقليل من شأن الأحزاب السياسية الأخرى في المعارضة الديمقراطية؛ واالتي أحترم كلا منها، فإن تكتل القوى الديمقراطية، واتحاد قوى التقدم، وأحزاب المعاهدة، وشخصيات  مدنية وحتى عسكرية مختارة ذات بعد وطني؛ لا يمكن إقصاؤهم بأي حال من الأحوال من أي مشروع حوار أو تشاور حول المشاكل الوطنية الكبرى.

في هذا الإطار، يجب أن تتحلى المعارضة الديمقراطية بروح من النضج والحكمة تجعل حدثا بهذا المستوى توافقيا، وجامعا، ومثمرا؛ لكنها في المقابل يجب أن تطمئن، مسبقا، على نجاح مثل هذا الحدث.

إن اختيار المشاركين في هذا النوع من الحوار الوطني يجب أن يكون جديا وذا مصداقية، وأن يتم على أساس  معايير سياسية موضوعية.

ولعل الخبرة التي يتمتع بها فاعلونا السياسيون؛ في الأغلبية والمعارضة، هي ما يدفعني إلى بناء أمل كبير على قيامهمبتفكير عميق، واقعي، وموضوعي حول القضايا الوطنية الكبرى يبعث برسالة واضحة وبناءة إلى محيطنا العربي، والإفريقي والدولي.

إن مستقبل موريتانيا والموريتانيين لا يمكن أن يتحقق دون مشاورات وحوار سياسية، معد، ومرغوب، ومقبول؛ وذلك في ظروف جدية وهادئة من طرف القوى السياسية الوازنة من أجل تعزيز بناء مجتمعى موريتاني ديمقراطي، موحد، يحظى بالتنمية والرخاء، وبناء دولة قانون قوية ومحترمة.

 

سعادة السيد داهي محمد محمود

سفير سابق