قراءةٌ مُختلفة لما بين سُطور خِطاب السيّد نصر الله الذي قد يكون الأخير قبل الحرب أو السّلام؟

اثنين, 09/19/2022 - 03:21
عبد الباري عطوان

قراءةٌ مُختلفة لما بين سُطور خِطاب السيّد نصر الله الذي قد يكون الأخير قبل الحرب أو السّلام؟ هل سيطول انتِظاره لأكل “العنب الكاريشي”.. أم سيضطرّ لقتل النّاطور؟ ولماذا صعّد هُجومه على الطرف الاخر اللبناني لتنفيذه مجازر صبرا وشاتيلا ولمّح لفكّ الارتباط معه؟ إليكُم النقاط الثماني الأبرز والأخطر

 

خِطابُ السيّد حسن نصر الله الذي ألقاهُ صباح اليوم بمُناسبة إحياء أربعينيّة الإمام الحسين في بعلبك جاء مُختلفًا عن كُل خطاباته السّابقة، ليس لقوّته وصراحته، والرّسائل الكثيرة التي تضمّنها لأكثر من جهةٍ لبنانيّة وإقليميّة ودوليّة، وإنّما أيضًا لأنّه كان يعكس حالةً من الغضب حاول أن يكتمها والتحلّي بأعلى درجات ضبط النفس، والإيحاء في الوقتِ نفسه بأنّ صبْرهُ باتَ يقترب من نهايته.

ad

أُتابع شخصيًّا مُعظم، إن لم يكن جميع خِطابات السيّد ككاتب ومُحلّل سياسي، ومُواطن عربي يهتم بقضايا أمّته، ويُؤمن بشرعيّة المُقاومة كأقصر الطُّرق لاسترداد ونُصرة الحُقوق المُغتصبة، ولكنّ السيّد نصر الله كان “يعضّ” في خِطابه المذكور على النّواجذ، وأحسست أنه على حافّة إعلان الحرب، وبدء تحرير حُقول الغاز والنفط اللبنانيّة، وإشعال فتيل الحرب الإقليميّة الذي نرى إرهاصاتها على الأرض في أكثر من جبهةٍ، في لبنان، وفِلسطين، واليمن، والعِراق، وسورية، وإيران حيث تتصاعدُ حالةُ الغليان.

***

هُناك عدّة “محطّات” استوقفتنا في هذا الخِطاب الذي جاء صباحًا على عكس مُعظم الخِطابات السّابقة المسائيّة، سنُوجزها في النّقاط التالية:

أوّلًا: استخراج “إسرائيل” للغاز من حقل “كاريش” المُتنازع عليه خطٌّ أحمر، ولن يتم إلا بعد حُصول لبنان على حُقوقه كاملةً، ولعلّ قوله “وعُيوننا وصواريخنا مُركّزة حاليًّا على الحقل” أحد المُؤشّرات الرئيسيّة على حالةِ طوارئ وتأهّب قُصوى استعدادًا للاحتِمال الأكبر.

ثانيا: قوله أعطينا فُرصةً كاملةً للدّولة اللبنانيّة لمُواصلة المُفاوضات، والتزمنا الهُدوء ووقف التّهديدات بناءً على حُجّتهم التي تقول بأنّها لا تُساعد الموقف المُفاوض، لأنّنا نُريد “أن نأكُل العنب” هو الرّد على كُل الاتّهامات المُوجّهة إليه بأنّه يَستَعجِلُ الحرب.

ثالثًا: إعلان فكّ ارتباط “حزب الله” جُزئيًّا وربّما كُلِّيًّا، بالطّرف الآخر، المُتواطئ مع أمريكا وإسرائيل والبراءة منه، وتوجيه تحذيرات وتهديدات قويّة جدًّا إليه، بلهجةٍ واضحة وصريحة انعكست في قوله “لُبناننا غير لُبناننكم، والحمد الله أننا لا نُشبهكم، والمجازر التي ارتكبتموها تعكس هُويّة لُبنانكم الدّموي، وأنتم الذين تُؤمنون بثقافة الموت وليس نحن بتنفيذكم مجزرة صبرا وشاتيلا، أمّا نحن الذين نُؤمن بثقافة الحياة، فقد حرّرنا جنوب لبنان دُون أن نذبح دجاجةً واحدة”.

رابعًا: مجزرة صبرا وشاتيلا لم تكن ضدّ الفِلسطينيين، وإنّما اللبنانيين أيضًا، حيث استشهد فيها 1900 لبناني و3500 فلسطيني، وما زال حواليّ 500 لبناني مُختفين أو مفقودين، والمُنفّذون أفلتوا من العِقاب، فهل حانَ الوقت لكيّ يدفع المُجرم ثمَن جريمته.

خامسًا: وجّه “عتبًا شديدًا” ومشروعًا، إلى العرب وإعلامهم، وربّما للمرّة الأولى أيضًا، لأنّه رغم مُشاركة عشرين مليونًا في مراسم أربعين الحسين في النجف الأشرف وكربلاء، دُون حُدوث أيّ مشاكل، وكرم شعبي عِراقي لافت، ومسؤول وغير مسبوق، لم تحظَ هذه المُناسبة بأيّ اهتمام أو تغطية وكأنّها في مجرّةٍ أُخرى.

سادسًا: أشاد ببيان حركة “حماس” الأخير الذي أكّد رغبة “إجماعيّة” بالمُصالحة مع سورية، وأشاد بصُمودها قيادةً وشعبًا في وجه المُؤامرة التي أرادت تفتيتها، وتمزيق وحدتها الوطنيّة والترابيّة، وأدان العُدوانات الإسرائيليّة المُتكرّرة، واعتبر السيّد البيان خُطوةً إيجابيّة، وموقف مُتقدّم جدًّا، مُؤكّدًا على ضرورة توحّد جميع قِوى المُقاومة، ممّا يُوحي بأنّه ربّما يقف خلفه، وصاغَ عِباراته بطريقةٍ مُباشرة أو غير مُباشرة.

سابعًا: وجّه رسالة تحذير إلى الدولة اللبنانيّة بعدم الثّقة بأيّ ضمانات أمريكيّة، لأنّ أمريكا لا تحترم تعهّداتها، ولم تَحمِ اللبنانيين والفِلسطينيين من مجازر صبرا وشاتيلا، ولم تُنفّذ بُنود اتّفاقات أوسلو التي رعتها، وتخلّت عن الاتّفاق النووي الإيراني، ويأتي هذا التّحذير بعد تسريب أنباء عن تعهّد واشنطن بضمان أيّ اتّفاق لترسيم الحُدود البحريّة.

ثامنًا: أمام لبنان، وربّما العرب أيضًا، فُرصة تاريخيّة لن تتكرّر لاستِعادة ثرواته النفطيّة واستِغلالها للخُروج من أزماته، ولعلّه يُشير إلى المأزقِ الغربيّ في حرب أوكرانيا، والانقسامات الحادّة التي بدأت تَطُل برأسها بين دول أوروبا نفسها، وبينها وبين أمريكا.

***

بعد استعراض هذه النقاط الثمانية، وتأمّل جيّد مُعمّق لملامح وجْه السيّد نصر الله، الذي غابت عنه ابتسامته المعهودة المُميّزة هذه المرّة، يُمكن القول أنّه ربّما يكون الخِطاب الأخير الذي قد يسبق خِطاب إعلان الحرب إذا تعذّر السّلام، فعدم رضاء السيّد نصر الله عن سير المُفاوضات بين الدّولة اللبنانيّة ودولة الاحتِلال الإسرائيلي عبر الوسيط الأمريكي عاموس هوكشتاين كان واضحًا في ثنايا الخِطاب، وبين سُطوره، ويعكس فهمًا واضحًا للمُخَطّط الأمريكي الإسرائيلي للمُماطلة وكسب الوقت، ومُحاولة التملّص من أيّ التِزام، أو تقديم تنازلاتٍ حقيقيّة.

إصبع السيّد نصر الله ما زال على الزّناد الصّاروخي والضّوء الأخضر، لانطِلاق أسراب المُسيّرات “الاستشهاديّة” والسُّؤال الآن هو: إلى متى سيستمرّ هذا الإصبع في مكانه؟ وهل “سيطيب” “العنب الكاريشي” فعلًا ومتى، أم اقترب الوقت لقتل النّاطور في ظِل استِفحال المُماطلة والتّسويف وسياسة كسْب الوقت؟

ننتظر خِطاب السيّد نصر الله القادم الذي قد يُجيب على جميع أو مُعظم هذه الأسئلة.. ونأمَل ألّا يطول انتظارنا.