يوميات غوانتنامو جذور الحكاية

خميس, 02/05/2015 - 07:45

سيد أعمر ولد شيخنا كاتب وباحث موريتاني

حاز كتاب "يوميات غوانتنامو" للمواطن الموريتاني المعتقل ظلما من قبل السلطات الأمريكية محمدو ولد صلاحي اهتماما متزايدا على المستوى العالمي؛ باعتباره صرخة قوية بنفس أدبي وأخلاقي في وجه العسف الأمريكي تنبعث من ضلوع أحد الضحايا الذي لا يزال منذ 13عاما قيد الحبس التحكمي الظالم، مما جعل كبريات دور النشر الأمريكية والبريطانية تتسابق لنشر الكتاب في أكثر من عشرين بلدا على المستوى العالمي.

 

ويتوقع أن يشهد الكتاب رواجا كبيرا في المرحلة القادمة، وهو ما يعيد إلى الأذهان قصة نجاح كتاب سابق يتحدث عن مأساة مواطن موريتاني آخر هو "كنتا كنتي" الذي خطف من ديار أخواله في غامبيا عام 1767م، وليستعبد في أمريكا، قبل أن يخرج الله من صلبه من ينقل للدنيا فصول مأساته، حيث خلدها حفيده أليكس هايلي في روايته "الجذور" التي نشرت أول مرة عام 1976م وترجمت إلى 37 لغة وبيع منها 50 مليون نسخة، وجسدت في مسلسل "كونتا كنتي" الذي لقي رواجا كبيرا. مما يثير الانتباه ويدعوا للتأمل العميق حول قصة الموريتانيين مع الظلم الأمريكي العابر للأجيال، وجذور المعجزة الموريتانية التي تُبدل الضعف إلى قوة، وتحول مخزون الألم والمعاناة إلى طاقة إبداعية، وتواجه عسف الجبابرة بمرافعات أخلاقية وقانونية، تكشف الوجه الحقيقي للأمريكان سلفا وخلفا، وتعريه على مرأى الإنسانية وأسماع التاريخ .

 

جذور غواتنامو

بدأت رحلة محمدو ولد صلاحي في التعذيب والاهانة، من بلده موريتانيا قبل 13 عاما، ومنها إلى الأردن وأفغانستان، قبل نقله أخيرا إلى معتقل غوانتنامو في كوبا في آب / أغسطس عام 2002، حيث أصبح السجين رقم 760، وبسبب سابقته الجهادية في أفغانستان أيام السوفيت، أخضع لأشد أنواع التعذيب البدني والنفسي على خلفية أعمال قامت بها القاعدة التي غادر صفوفها عام 1992م، أما قصة سلفه "كونتا كنتي" مع أمريكيي القرن 18م، فهي كما صاغها حفيده أليكس هيللي (1921 - 1992م) في كتابه المجلجل (الجذور) بعد رحلة بحث وتقصي استمرت 12 عاما قادته إلى السنغال وغامبيا حيث قارن بين مرويات أهله في أمريكا والمعلومات لتي استقاها من رواة التاريخ المحلي والمعمرين من قرية أسلافه "جوفر" التي ينحدر منها جده الخلاسي كونتا كنتي والذي ولد عام 1750م من أم تدعى بينتا من قبيلة المانديغ الزنجية وأب موريتاني من قبيلة كنتة العربية يدعى عمر، والذي اختار له هذا الاسم تيامنا بجده "كيرابا كونتا كنتي" الذي جاء من موريتانيا إلى غامبيا حيث أنقذ أهل "جوفر" من المجاعة التي حطت بقريتهم نتيجة القحط والجفاف، حيث ظل ولخمسة أيام متتالية يتضرع إلى الله لإمطار "جوفر" التي أوشكت على الموت بسبب القحط، فأمطرها الله من فضله ببركة دعاء الرجل الصالح.

 

 لكن الطفل "كونتا كنتي" سوف يتعرض على غرار أفارقة كثر للخطف من قبل القراصنة البيض وهو لم يتجاوز السادسة عشر ربيعا وينقل على متن سفينة لورد ليجونيار إلى ميناء أنابوليس، والتي وصلها يوم 29 سبتمبر 1767م، وعلى كل حال كان محظوظا عكس مواطنه صلاحي لكونه لم يمر في طريقه لأميريكا بمسالخ المخابرات الأردنية، وفي أمريكا بدأت معانات "كونتا" القاسية مع أسياده الأجلاف والتي واجهها بكل رجولة وصبر مما أهله ليصبح في مصاف الآباء المؤسسين للوعي الجمعي الزنجي وأحد رموز الثورة على العبودية في أمريكا، على غرار مالكوم أكس ومارتن لوثر كينج.

 

فتش عن الخونة المحليين

تؤكد قصة خطف "كونتا كنتي" في السابق ومحمدو ولد الصلاحي في الحاضر أنه ما كان للأحرار أن يُتخطفوا من أرضهم ويسلموا للقراصنة المتوحشين لولا الملوك الظلمة والخونة المأجورين، حيث تنقل رواية جذور أن العجوز "نيوبوتو" حكت للطفل "كونتا كنتي" في صغره كيف رأت الأحرار يساقون إلى سفن النخاسة حيث "كان في انتظارهم المغيرون البيض ومعهم مساعدوهم من السود الخونة" (الجذور، ص: 63)، فيما شرح له والده عمر السياق العام للظاهرة حيث: "أن عملاء الملك الشخصيين هم الذين يوفرون معظم من يأسرهم "الطوبوب" (الاسم المحلي للقراصنة البيض) وعادة ما هم مجرمون أو مدينون أو أي شخص أدين بالاشتباه في التآمر ضد الملك ويبدو أن المزيد من الناس قد يدانون في الجرائم عندما تبحر سفن "الطوبوب" في نهر جامبي بولونج بحثا عن عبيد للبيع" (الجذور، ص: 66)، لقد طعن الخونة وعملاء الملك الشخصيين محمدو ولد صلاحي كما طعن أسلافهم من قبل "كونتا كنتي" وآلاف المعذبين الأفارقة، إنه تقليد راسخ في السواحل الإفريقية منذ قرون.

 

ولو بعد حين..

برزت رواية الجذور عام 1976م أي بعد مرور 210 سنوات على حادثة الخطف والاستعباد التي تعرض لها "كونتا كنتي"، في حين خرجت صرخة "يوميات غواتنامو" بعد 13عاما من تاريخ مأساة ولد صلاحي، ولا شك أن للفارق العلمي والتقني دوره الهائل في تقليص المسافة بين تاريخ المأساة ومجريات فصولها وبين وصول أخبارها الموثقة لأسماع العالم، لقد خرجت الصرخة الأولى على لسان أحد أحفاد الضحية الأولى بعد قرنين من الزمن، لكنه نقلها بأمانة وجرأة هزت وجدان الإنسانية، في حين خرجت الصرخة الثانية على لسان الضحية نفسه، والذي قال عنه ناشر الكتاب "جيمي بينج"، إن قصة ولد صلاحي هي من أهم الكتب التي تصدرها دار "كانونغيت"، واصفا الكتاب بأنه "كتاب لطيف، قاس، يجعلنا نتواضع أمام تجربته (...) كتبها كاتب موهوب. ونأمل مع بقية الناشرين الدوليين أن نقدم قصته للعالم، ونسهم في نهاية سجنه القاسي والبربري".

 

لقد تأخرت الرسالة الصرخة ردحا من الزمن و أخذت جهدا ووقتا، لكي تصل إلينا، حيث اضطر "أليكس هيللي" لقضاء 12عاما من البحث والتقصي، كما قضى محامو ولد صلاحي 7 سنوات من المعارك القانونية مع الرقابة العسكرية والقانونية في وزارة الدفاع الأمريكية، لكن في النهاية الرسالة وصلت وبأدق وأجود تقنية ممكنة، إنهم لا زالوا هم ونحن لا زلنا نحن، ويبدو أن الزمن لم يفعل فعله بالشكل الكافي بعد.