موريتانيا: البذخ في الزواج يصل لمستويات غير معقولة والحكومة تتدخل

أربعاء, 08/03/2022 - 10:30
عبد الله مولود  نواكشوط ـ «القدس العربي»

مئات الملايين من عملة الأوقية التي يتمنى فقراء موريتانيا رؤية قطعها النقدية الصغيرة، يصرفها العريس الموريتاني في ليلة واحدة؛ ليس في المهر الذي لا حدود له، ولا في شراء الملابس الراقية وإكسسوارات الذهب للعروس، وإنما في الحفلات الباذخة التي تنعشها مطربات يعوضن عن الساعة بالملايين، بل وتنثر على رؤوس الراقصين والراقصات من أهل العريس وأهل العروس أيضا.

هذا البذخ الرهيب الذي يتطور كل يوم، وهذه الأطعمة المرمية في قاعات الاحتفال، في بلد تتجاوز نسبة الفقر المدقع فيه 41 في المئة، جعل الحكومة تتدخل، وجعل الرئيس الغزواني يناقش الموضوع مع حكومته في مجلس الوزراء الأخير، بل ويعطي أوامره بالوقوف في وجه الباذخين المفسدين.
واجتمع وزير الداخلية بولاة العاصمة وحكامها لتدارس الطريقة التي يمكن بها الوقوف أمام حمى البذخ المنتشرة؛ لكن هل يمكن للحكومة الاعتراض على إنفاق مواطن غني لماله احتفاء بعروسه؟
اختلفت الآراء في هذه المسألة التي أشبعها المدونون الموريتانيون نقاشا على مواقع التواصل، بين من يرى ضرورة سن قانون ملزم لتحديد المهر وتحديد تكاليف الزفاف، ومن يرى أن هذا الموضوع قضية شخصية، لكل واحد الحرية في أن ينظمها كيف يشاء.
واعتاد الموريتانيون التفاخر بحفلات الزفاف: فبقدر ما بذل العريس المال بقدر ما رضيت العروس وأهلها عنه، وبقدر ما تأكدوا أنه يحبها بالفعل، وبقدر ما افتخرت العروس أمام نظيراتها.
فبذل المال في مناسبات الزفاف هو مقياس الحب في المجتمع البدوي الصحراوي، ولو حصل المال المصروف في الزواج بديون وقروض واستجداءات.
ومن حفلات الزفاف الباذخ ما يؤرخ به في المجتمع الموريتاني: كأن يقال ولد فلان أو حدث كذا.. عام عرس فلان بفلانة.
والغريب أن من الشبان الموريتانيين من يجمع الأموال ويستلفها من البنوك لإتمام حفلة زفافه، ثم تراه بعد يومين من إكمال الحفل يتسكع باحثا عن المال، وغالبا ما أدت الصعوبات المالية الناجمة عن الزواج الباذخ إلى طلاق.
وتتميز حفلات الزفاف في موريتانيا بطقوس مثيرة للدهشة والاستغراب، ففي الأعراس تكتظ صالات الحناء والزينة بأهل العروس وصديقاتها، وعلى العريس الصرف على الجميع.
وتختلف العادات في مراسيم الزواج وطقوس ليلة العرس باختلاف الظروف الاقتصادية والعقليات السائدة لدى كل أسرة، فبينما تختصر بعض الأسر على قراءة الفاتحة إيذاناً بإعلان الشعيرة الدينية المتمثلة في الزواج، تبالغ أسر أخرى في تكاليف الزواج حتى تبدو حفلة الزفاف كحدث أسطوري، تنفق فيه الأموال، وتنشد الأهازيج والمواويل، وتقام المآدب والذبائح إمعانا في المباهاة والتفاخر.
وعند عقد الزفاف يتجه أعيان القرية إلى مكان أهل العروس وتتجمهر النساء والأطفال في انتظار انتهاء مراسيم العقد، لتنطلق الزغاريد وتقرع الطبول، ويقوم أصدقاء العريس بإطلاق العيارات النارية في الهواء ابتهاجا بهذا الحدث الكبير.
وفي محاولة لمواجهة غلاء المهور قامت بعض المناطق الريفية الموريتانية بسن قوانين تشترط على الزوج دفع مبلغ لا يتجاوز 100 دولار من دون مؤخر للصداق مقابل أن يلتزم بإيجار وتأثيث المنزل؛ لكن كثيرا ما خرق الباذخون هذا النظام.
ويحدث البذح بينما يعاني المجتمع الموريتاني من تفشي ظاهرة الطلاق، حيث تنتهي الكثير من الزيجات الباذخة بالطلاق في أشهر الزواج الأولى.
وتؤكد الإحصائيات الرسمية أن نسبة الطلاق تزيد في المجتمع الموريتاني على 37 في المئة، وتوضح أن أكثر من 70 في المئة من الزيجات الأولى كثيرا ما تنتهي بالطلاق قبل انتهاء السنة الأولى من الزواج.
وتظهر الأرقام انعكاسات الزواج الباذخ غير المدروس وغير المعقلن على المجتمع الموريتاني، حيث تتجاوز نسبة العنوسة في نساء موريتانيا اللائي يمثلن 52 في المئة ، من عموم السكان، نسبة 40 في المئة، فيما تبلغ نسبة الطلاق 44 في المئة، بينها زواجات فاشلة بسبب مالي، بنسبة 49 في المئة.