موريتانيا: جدل حول إجازة الحكومة لقانون حول “العنف ضد النساء والفتيات”

أحد, 05/17/2020 - 01:58

استمر في موريتانيا جدل حامي الوطيس حول مشروع قانون حول “العنف ضد النساء والفتيات” أجازته الحكومة الخميس الماضي وقررت إحالته للبرلمان وهو القانون نفسه الذي سبق أن قدم مرتين للبرلمان وقوبل برفض واسع لدى الرأي العام الموريتاني، ولدى البرلمانيين، وجزم إسلاميون متزمتون بمخالفة بعض مواده للشريعة الإسلامية.

وأكدت الحكومة الموريتانية في بيان لها أن مشروع القانون يعد “تشريعا متكاملا لرد شامل وفعال ضد العنف الذي تتعرض له النساء والفتيات” مردفة أن “من شأن هذا القانون أن يساهم في التخلص من الأفكار المسبقة والعقليات التمييزية ضد النساء والفتيات، وأن يلزم القيام بأنشطة بحثية وتنموية لدعم تطور مبادئ العمل في هذا المجال، معززا جهود السلطات العمومية في مجال مكافحة ممارسات العنف ضد النساء المنافية لحقوق الإنسان ولقيمنا الحضارية ولسماحة ديننا الحنيف”.

ويتكون هذا القانون، حسب وزير العدل الموريتاني حيمود رمضان، “من 55 مادة يعمل البند الأول منها على الوقاية والتحسيس، فيما يختص البند الثاني بالعقوبة ووضع مجموعة من الإجراءات لحماية المرأة والبنت من العنف والانتهاكات الأخرى”.

وأضاف “أن مشروع القانون يحدد إجراءات قضائية وصحية واجتماعية تتعلق جميعا بمساعدة ضحايا العنف والحد من ظهور هذه الجريمة والتعريف بها لتمكين النساء من رفع الدعوى ومتابعتها حتى آخر مرحلة”.

 

جرائم الاغتصاب

 

ولم تكد الحكومة الموريتانية تعلن عن إجازتها لهذا القانون وإحالته للبرلمان، حتى اشتعل جدل كبير حول مضامينه بين من يعتبر القانون “سندا شرعيا لمواجهة وردع العنف المزدادة حالاته ضد النساء والفتيات” ومن يعتبره “استيرادا لقيم غربية واستنساخا لقوانين الدول الملحدة المتعارضة مع القيم الإسلامية التي تتأسس عليها حياة المجتمع الموريتاني المسلم”.

وأكد المحامي محمد المامي في قراءة لهذا القانون “أن من إيجابيات النص الجديد أنه عرف جرائم لم تكن معرفة، ونص على عدم تقادم جرائم الاغتصاب ومحاولته واغتصاب المحارم واللمس الجنسي للمحارم، كما نص على ظروف التشديد، وآليات الكشف المبكر عن العنف ضد النساء، والاستراتيجية الوطنية للوقاية منه، وعلاج الضحايا، ووجوب مؤازرتهن بمحامين، وحماية بياناتهن الشخصية، وحماية الشهود، والدعم النفسي والاجتماعي، والتكفل بذوات الإعاقة، وحماية حقوق الضحية الموظفة أو العاملة، إضافة إلى تجريمه للتحرش الجنسي وتشويه العضو التناسلي للبنت وفرض العلاقة الجنسية الشاذة والابتزاز”.

وأضاف “من المفارقات العجيبة أن النص الجديد لم يأت بما كان ينتظر منه بشأن تشديد عقوبة الاغتصاب، بل على العكس من ذلك خفف العقوبة، فبعد أن كانت المادة 309 من القانون الجنائي تعاقب الاغتصاب الذي لا تتوفر فيه شروط الحد بالأشغال الشاقة المؤقتة والتي تتراوح مدتها بين 5 سنوات إلى 20 سنة طبقا للمادة 18 من القانون الجنائي، نزع النص الجديد الأشغال الشاقة واكتفت المادة 24 منه بالسجن من 10 الى 20 سنة دون الاشغال الشاقة”.

ويقول المحامي محمد ألمامي “لكن الأكثر مرارة في الأمر، أن عقوبة محاولة الاغتصاب كانت أيضا الأشغال الشاقة لمدة من 5 سنوات إلى 20 سنة لأنها تعاقب بنفس عقوبة الاغتصاب الكامل طبقا للمادة 309 و18 من القانون الجنائي، فخفضها النص الجديد لتصبح من 5 سنوات إلى 10 فقط من السجن بعد حذف الاشغال الشاقة”.

وقال “لا أفهم لماذا استثنى المشروع (في المادة 28) احتجاز المرأة أو الفتاة بقصد إيذائها من طرف زوجها أو من تربطه بها علاقة نسب (أب، أم، أخ …الخ) استثناها من جريمة الاحتجاز المعاقبة في المادة 319 من القانون الجنائي بالأشغال الشاقة المؤقتة من5 إلى 20 سنة، واستبدلها بالحبس من شهرين إلى ستة أشهر، وغرامة خمسة آلاف إلى عشرة آلاف اوقية، مع إمكانية الاكتفاء بالغرامة وحدها؟”.

وأضاف “أخشى أن يكون المقصود المساس بسلطة القوامة أو سلطة تربية وتأديب الأبوين لبناتهم، فيما قد يؤل حجزا، كمنعهم إياهن من الخروج منفردات منتصف الليل، وإلا فالحجز خارج القانون يظل جريمة شنيعة بغض النظر عن مرتكبها”.

واستغرب المحامي “أن النص عاقب عدم التبليغ عن جرائم العنف ضد النساء بحبس حده الأقصى 3 أشهر، بينما عدم الإبلاغ أصلا معاقب بالمادة 56 من القانون الجنائي بحبس حده الأعلى 3 سنوات”.

وأضاف المحامي “أن المشروع عرف العنف ضد النساء تعريفا ضبابيا حيث تضمن عبارات من قبيل (إلحاق أذى أو معاناة… ثقافية) و(الإكراه والحرمان التعسفي من الحرية في الحياة العامة أو الخاصة) ومعلوم أن النصوص الجنائية تقتضي الدقة في التحديد، فبهذا المقتضى يمكن للبنت أن تصر على متابعة حفلات العري وتعتبر أنها تتأذى ثقافيا من منعها إياها، فضلا عن كونه إكراها واعتداء على حياتها الخاصة”.

وزاد “بوب النص على مراكز إيواء النساء والبنات، التي تستقبل الضحايا لآجال طويلة ومتوسطة، مما يوحي بأن البنات سينازعن آباءهن وأمهاتهن والمجتمع كما هو الحال في بعض الدول”.

وقال “إن حديد مقدار التعويض عن ضرر الاغتصاب بالدية لا يستقيم، لأن التعويض يقدر حسب الضرر فقد يكون الضرر أكبر فنظلم الضحية، وقد يكون أقل فنعطيها أكثر من حقها”.

وجزم المحامي “أن عقاب ضرب الزوجة من دون تقييده بالضرب الخارج عن مقتضى الشريعة، وتجريم حرمان المرأة من حق من الحقوق التي ينص عليها القانون ومنها بالتأكيد حق التنقل والدخول والخروج، تشكل مساسا بقيم المجتمع الأخلاقية والدينية المتعلقة بالقوامة وحق تأديب البنات وحفظهن ورعايتهن من طرف أبويهن”.

واعتبر المحامي “أن تجريم الشتم بين الزوجين اللذين تفترض بينهما المودة والرحمة بهذا الشكل الذي لا يخلو من تضخيم، في حين أنه بين بقية الناس مجرد مخالفة، وإعطاء الصفة للمنظمات لرفع الدعاوى بشكل مطلق ودون توكيل يفتح المجال واسعا للتدخل في خصوصيات الناس والمساس بحرمات بيوتهم وأسرارها، ونفخ نار الفرقة والشقاق بينهم من حيث لا يريدون”.

 

مثالب القانون

 

وفي موقف آخر، أكد القيادي الإسلامي البارز محمد جميل منصور أن “من المناسب أن ننتظر حتى نعرف هل عدل المشروع وهل أخذت الملاحظات والاعتراضات بعين الاعتبار؟”.

وقال “مع أن هذا النص ليس مطمئنا بالشكل الكافي فإنه لا يبرر موقف الرفض والاحتجاج الذي بدأ البعض في التعبير عنه، والمسؤولية تملي أن ننتظر حتى يتوفر نص القانون وحينها يستساغ تقويمه والحكم عليه، وتجربة المشروع الماضي موحية في هذا الصدد فقد أوضح العديدون (علماء ونواب وكتاب) مثالب القانون ومخالفاته حينها مما سبب حالة رفض وتحفظ كانت من أسباب سحب المشروع وعدم إجازته”.

وأضاف ولد منصور “من ناحية أخرى لا يناسب الساحة الإسلامية أو بعضها أن تكون حساسة تجاه ما يخالف الشرع في شأن المرأة مظهرا وواجبات فقط وألا تكون عندها الحساسية نفسها تجاه مظالم المرأة وما تستحقه من حقوق، اعدلوا واعتدلوا”.

وهاجم القيادي الإسلامي الحسن مولاي أعل القانون الجديد وقال “مجددا، وفي شهر رمضان، وبين مآذن ومحاريب القرآن، يتجدد الحديث عن تشريع الزنى واللواط والسحاق، تحت خدعة قانون النوع. يا معشر المشرعين، خذوا حذركم”.

أما الإسلامي موسى الشيخ سيديا فقد كتب معلقا على إجازة القانون “إنه لأمر مريب حقا وفى هذا الظرف بالذات إحالة “قانون النوع” سيئ السمعة مجددا إلى البرلمان؛ ففي المرة الماضية تكاتف الجميع (معارضة وأغلبية) فلم تستطع الحكومة تمريره، والآن وفى هذا الشهر الكريم، هل سيُحكم نوابنا الموقرون ضمائرهم ويرمون بهذا القانون المثير في سلة المهملات، أم لا؟”.

عبد الله مولود

نواكشوط-“القدس العربي”