ظاهرة ختان الفتيات في موريتانيا بين الانتشار والانحسار رغم جهود السلطات وفتاوى العلماء

أحد, 02/11/2018 - 00:53

لا تزال عادة خفاض أو ختان البنات في موريتانيا والدول المجاورة لها، تشكل ظاهرة مقلقة ومزعجة للسلطات المحلية وللمنظمات المحلية غير الحكومية المدافعة عن النساء، كما على مستوى المنظمات الدولية المهتمة بمشاكل الأمومة والطفولة. 

فقد ترسخت هذه العادة بعمق في المجتمع الموريتاني لعدة أسباب أبرزها اعتقاد أوساط، أن الدين الإسلامي يوصي بختان البنت قبل عمر ست سنوات لتطهيرها وحتى تكون مؤهلة لممارسة الشعائر الدينية، والاعتقاد السائد أن الختان يقي البنت من العقم ويحدّ من الشهوة الجنسية، وهذا ما يساعد على «حصانتها» إذا غاب زوجها فترة طويلة.

ما هو الختان؟
يعرف موقع صندوق الأمم المتحدة لرعاية الطفولة ختان البنات بأنه تعبير يقصد به «كل العمليات التي تهدف لإزالة جزء أو كل الأقسام التناسلية الخارجية للفتاة».
وتتولى خاتنات موريتانيات عمليات الخفاض مجانا لاعتبارات تتعلق عندهن بالدين، وبما يعتقد محليا أنه لياقة بدنية باعتبار أن وجود هذه الجزء يجعل رغبة الفتاة في المعاشرة جامحة وهو ما قد يعرضها للزنا ولارتكاب الفاحشة. 
وعلى هذا الأساس، وحفاظا على شرف الفتاة أصبحت الأسر راغبة في ختن بناتها وهو ما جعل العادة تترسخ عبر الزمن. 
ويسود اعتقاد آخر أن الختان هو الذي يجعل الفتاة تستقر مع زوجها.

الأسباب والدوافع

لخصت البحوث التي تناولت موضوع الختان في المجتمعين الموريتاني والسنغالي أسباب توارث ممارسته في عدة نقاط، أولها اعتقاد الناس أن الدين الإسلامي يوصي بختان البنت قبل عمر 6 سنوات لتطهيرها حتى تكون مؤهلة لممارسة الشعائر الإسلامية كالصوم والصلاة، والسبب الثاني هو اعتقادهم في قدرة الختان على وقاية البنت من العقم وبقية الأمراض الخطيرة، والدافع الأخير تأهيل البنت للزواج، فالختان، باعتقادهم، يحد من الشهوة الجنسية، ما يساعد على حصانتها إذا غاب زوجها لفترة طويلة.
ولعل اللافت أن معظم الإناث المتحدرات من قومية السوننكي يتعرضن للختان، حتى وإن كانت أسرهن مقيمة في الدول الأوروبية كفرنسا مثلا، رغم تعرض ذوي الفتاة لعقوبات رادعة في حال إخضاعها للختان.

عادة متوارثة منغرسة

يستعصي تقليد ختان البنات، على حملات التوعية التي تقوم بها الحكومات والمنظمات الدولية والأهلية الناشطة في مجال إيقاف العنف ضد المرأة.
ومع أن فقهاء موريتانيا يؤكدون أن لا علاقة لهذه الممارسة بالدين، فإن مسنات المجتمع يعتقدن بالتوارث عن الجدات أن «الختان، هو استئصال لحظ الشيطان، ويجعل الفتاة في مأمن من الشبق الذي قد يدفعها نحو ممارسة الرذيلة في حالة ما إذا استعطى عليها الزواج». 
وإذا كان الجهل يقف بشكل قوي خلف استمرار الظاهرة في موريتانيا فإنه يتداخل مع المعتقدات الدينية والعادات المتأصلة في نفوس المواطنين، وهي مسائل تصعب مواجهتها في مجتمع يتحكم الدين في ممارساته بشكل قوي جدا.

ممارسات أخرى

وتحذر المنظمات المهتمة بمتابعة ظاهرة الختان من ممارسات أخرى تتداخل معها، مثل عادة «القفل» وهي طريقة تلجأ إليها بعض الأسر لسد فتحة الجهاز التناسلي للبنت في مرحلة مبكرة من العمر وترك منفذ ضيق لمجرى البول فقط، حسب ما شرحته الخبيرة الاجتماعية زينب موسى، رئيسة «الجمعية الموريتانية لصحة الأم والطفل».
وتقول الخبيرة الاجتماعية بنت الطالب أن «عادتي ختان البنت واستخدام القفل لا ترتبطان بالضرورة بالأمية، بل إن ممارسيهما يعتقدون أنهما مطلبان شرعيان تقتضيهما المصلحة الاجتماعية والأخلاقية وهذا هو السبب في عدم استجابة البعض لحملات التوعية التي تقوم بها الدولة ومنظمات المجتمع المدني، وهو ما بات يستدعي من الأطباء ورجال الدين التحرك أكثر لتبيان مخاطر الظاهرة على صحة الفتيات».
 
تراجع طفيف ولكن!

ومع صعوبة الحد من انتشار الظاهرة لتجذّر هذه الأفكار في المجتمع الموريتاني، فإن برامج التوعية وظهور خطاب ديني مندد بالختان، كل ذلك أدى إلى تراجع طفيف في انتشاره في السنوات الماضية. 
ولم تتمكن الحملات الكثيرة والتمويلات السخية وبرامج التثقيف التي خصصت لمحاربة الظاهرة والقضاء عليها، من الوصول إلى الهدف المنشود، حيث كانت تصطدم دائما بتجذر التقاليد والمعتقدات التي يختلط فيها الديني بالأسطوري.

توبة

وتؤكد وزارة شؤون المرأة الموريتانية أنها سجلت خلال الأشهر الستة الأخيرة أكثر من 200 ألف تصريح علني بالتخلي والتوبة عن الختان من طرف نساء خاتنات، وذلك في المناطق التي تنتشر فيها هذه العادة وهي ولايات الحوض الشرقي والبراكنه وغورغول وتغانت. 
وبالرجوع للدراسات المسحية لهذه الظاهرة نلاحظ أن عادة الختان منتشرة أكثر في المناطق المذكورة رغم كونها مجرمة في نص القانون. 
وأشارت مصادر الوزارة إلى أن تقدما هاما قد سجل في مجال التخلي عن ممارسة الختان بفضل حملة تحسيسية واسعة النطاق شاركت فيها الهيئات العمومية إلى جانب منظمات المجتمع المدني والمنتخبين ورجال الدين والشركاء. 
ونقلت هيئة «آبا» المهتمة بالظاهرة عن عزيزة بنت سالم الناشطة في مجال محاربة الختان قولها «نحن اليوم نوجد أمام توجه إيجابي نحو التخلي عن ممارسة ختان الفتيات، رغم أن هذا التقليد المتجذر بعمق ما يزال قائما وما زال يقاوم الجهود المبذولة للقضاء عليه».

رأي الدين

وحول البعد الديني للقضية، يؤكد الشيخ ولد السالك عضو رابطة العلماء الموريتانيين «أن العلماء نشروا عام 2010 فتوى تحرم الختان اعتمادا على مخاطره التي أكدها الأطباء المختصون، وبالنظر لأن الختان اعتداء على الكرامة الإنسانية». 
وأضاف «إن المسؤولية الجنائية والأخلاقية والدينية تقع على ممارسي عادة الختان بالنظر لأضرارها الكبيرة». 
وأضاف الشيخ السالك «عادة الختان لا تجوز في العصر الحالي من وجهة النظر الشرعية استنادا إلى نتائج العديد من المؤتمرات العالمية التي نظمتها منظمة الصحة العالمية بحضور العديد من علماء الدين والأطباء، رغم أن المنظمة تحفظت على تجريم من كان يمارس تلك العادة في السابق».
وزاد عضو رابطة العلماء قائلا «الجانب الديني يتبع لرأي الجانب الطبي عادة وبالتالي فإن كل ما يؤكد الطب ضرره على صحة الإنسان يلتزم الفقه بتحريمه، لأن الله يكرم الإنسان ولا يوجب عليه ما يضره في حياته، ولذا فظاهرة الختان التي ثبت تسببها في الكثير من حالات الوفيات والإعاقة تعتبر من هذا المنظور محرمة».
 
جيوب مقاومة

وتؤكد مريام الشيخ لو الخبيرة في مكتب صندوق الأمم المتحدة للسكان في نواكشوط «أن موريتانيا حققت قفزة نوعية في مجال محاربة الختان حيث انتقلت نسبة ممارستها من 72في المئة عام 2011 إلى حوالي 39 في المئة حاليا». 
وأشارت إلى استمرار الممارسة في جيوب مقاومة داخل ولايات العصابة وكيدماغة، بسبب تجذر التقاليد وترسخ الاعتبارات الاجتماعية والثقافية.
وتؤكد لوسيا ألمي ممثلة «يونيسيف» في نواكشوط «أن ممارسة الختان في موريتانيا تعود لترسخ التقاليد وتجذر العقليات البائدة».

فروق بين القوميات

وذكر تقرير لـ»الخلية الوطنية لمحاربة العنف» الناجم عن التمييز الجنسي «أن معدل ممارسة الختان يختلف من منطقة إلى أخرى حسب الأعراق وحسب الولايات». 
وهناك فروق كبيرة بين ممارسة الختان في القوميات العرقية الموريتانية، ففي قومية السوننكي تصل نسبته إلى 92 في المئة بينما تصل في قومية الهالبولار إلى 73 في المئة، ونسبة 71 في المئة في المجتمع العربي (البربري)، و28 في المئة فقط لدى قومية الوولوف. 
وأطلقت وزارة شؤون المرأة عام 2012 حملتها الوطنية الكبرى «معا للقضاء على الختان» وتخلت عشرات الخاتنات عن ممارسة الخفاض من دون مقابل مالي بل استجابة لفتوى دينية نشرتها الوزارة على أوسع نطاق. 
وصرحت عشرات النساء الممارسات للختان باقتناعهن أن عملية الختان مضرة بالبنت المختونة بل إنها اعتداء على حقوقها. 
وتلقت هذه الحملة الدعم من هيئات دولية عدة بينها صندوق الأمم المتحدة للسكان وصندوق الأمم المتحدة للأمومة والطفولة ومنظمة الصحة العالمية والتعاون الألماني. 
وسجلت المصالح الصحية وفيات عدة بين الفتيات المختونات بسبب واحد هو نزيف شديد ناجم عن العملية. وبما أن المستوصفات والمستشفيات ترفض إجراء عملية الختان بالأدوات الطبية فإن الأسر الراغبة في ختن بناتهن يلجأن للطرق التقليدية غير الآمنة.

انتشار هنا وانحسار هناك

وأكدت منظمات حقوقية موريتانية ناشطة في مجال مكافحة ختان البنات «أن الاحصائيات الأخيرة أوضحت أن معدل ممارسة الختان في موريتانيا، يقارب 66 في المئة مقارنة مع احصائيات 2007 أي أنه تراجع بثماني نقاط».
وتشير هذه الاحصائيات إلى أن كثافة هذه الممارسة الموجودة داخل جميع المكونات العرقية الموريتانية، تختلف من منطقة إلى أخرى لكنها تتجه نحو التراجع.
وتؤكد خاتنة متقاعدة من ولاية سيليبابي جنوب موريتانيا فضلت إخفاء اسمها «أن عادة خفاض البنات تراجعت كثيرا بفعل وعي السكان واختفاء عقليات بائدة» ولذا فقد قررت الخاتنة نفسها، حسب قولها، أن تتخلى عن الخفاض وأن ترمي سكاكينها وشفراتها.

الشذوذ قائم

وأجمعت تقارير أعدها خبراء اجتماعيون عن انتشار الخفاض في المجتمع الموريتاني على أن «تراجعا كبيرا في ممارسة الختان قد سجل لكن المشكلة أن السلوك الشاذ ما يزال قائما وقابلا للتوسع».
وتؤكد خديجة سيك المكلفة بالبرمجة في مندوبية صندوق الأمم المتحدة للسكان في نواكشوط «أن تراجع ممارسة الخفاض في موريتانيا يعود لحملة التوعية الكبيرة التي ساهمت فيها الحكومة ومنظمات المجتمع المدني والزعماء الدينيون وكذا بفضل ما بذله في هذا الصدد، شركاء التنمية مثل صندوق السكان الأممي».
وتنفذ المصالح الحكومية الموريتانية بالتعاون مع صندوق الأمم المتحدة للسكان برنامجا موسعا للقضاء على ختان البنات.
وألزمت الإجراءات التطبيقية الخاصة بالمعاهدة الدولية لمحاربة كافة أشكال التمييز ضد المرأة، الحكومة الموريتانية بوضع إطارين قانوني وقضائي لمحاربة عادات خفض البنات.
ولعب العلماء ورجال الدين ذوو التأثير الكبير، أدوارا مهمة في عملية القضاء على ختان البنات وذلك عبر جولات قاموا بها في الولايات التي تمارس فيها العادة وعبر برامج تلفزيونية.
وتضيف خديجة سيك «أن هذه الأدوار مجتمعة ساهمت في خلق البيئة الصحية المناسبة، كما دفعت إلى الأمام مشروع قانون النوع المعروض على البرلمان».

الطريق الطويل

وحذرت مندوبية صندوق الأمم المتحدة للسكان في نواكشوط في تقرير لها عن الممارسات الضارة بالنساء «من أن يكون التقدم المحقق في مجال القضاء على الختان، الشجرة التي تخفي الغابة، كما في المثل، فهناك الكثير مما يجب القيام به للقضاء على هذه الظاهرة المنغرسة بعمق».
وأضافت «الطريق طويل جدا والعراقيل كثيرة غير أن الهدف النهائي هو الوصول للقضاء النهائي على عادة خفض البنات، تلك الممارسة المشينة». 
وعلى الرغم من أن مثل هذه الممارسات تدينها أوساط كثيرة في العالم، بل تعتبرها جريمة في حق البنات في بعض البلدان الغربية، فإنها ما تزال مع ذلك صامدة في موريتانيا٬ فتسمين المرأة وختانها يظلان عادتين محببتين لدى المجتمع٬ لاسيما في الأرياف والمدن الداخلية٬ حيث تمارس الظاهرتان بشكل طبيعي وينظر إليهما كعادات أصيلة لا ينبغي الكف عنهما مهما كانت دواعي ذلك.

عبدالله مولود/

نواكشوط ـ «القدس العربي»