الشيخ الحسن اليمباري: أحد المفاتيح الألف للتحول في موريتانيا

جمعة, 02/09/2018 - 00:16

سئل كونفوشيوس ذات يوم ما هي أسس قيام أي دولة فقال (الجند ، الغذاء ، الثقة . فقيل له أيهما لا غنى عنها فأجاب (الثقة) ) .

تشهد موريتانيا حالة من الوعي بالذات بعد سنين من حالة الوعي في الذات بسبب النظام الاجتماعي شبه المنغلق ، و قد مثلت مرحلة  الوعي هذه حالة شد و جذب في عدة مجالات و أخذت عدة وجوه منها الإنساني و السياسي و الاجتماعي ، فيما تم الدفع إلى عدة مقاربات لامتصاص [حالة إدراك الذات في مقابل الأخر] مما جعل البلاد تعيش في السنوات الماضية حالة من الترقب لازمة اجتماعية ، خاصة بعد الكثرة الكبيرة التي شهدها التحركات الإثنية التي أخذت شكل تجمعات حقوقية في الحراطين و لمعلمين و لكور (ساكني الحضر )،  فيما اتجه إيكاون إلى تنظيمات نقابية .

المتابع للساحة الموريتانية يتأكد أن الحديث يدور حول شرائح متضادة و إن على مستويات عدة ، فعلى الرغم من أن الحسانية تجمع غالبية الشرائح فإنها كثابت لم تستطع أن يكون لها دور في سيل الاختلافات الرمزية الثقافية و الوظيفية في البنية الاجتماعية  ، هذا مع بروز اللهجات الأخرى التي لا تجعل لبعد اللون معنى في الطرف الأخر للمعادلة ، التي تتعقد كلما كانت النظرة ثقافية أو اجتماعية بحته .

إلا أن مؤشرات أخرى يمكن الاعتماد عليها لفهم الجدل الشرائحي القائم في موريتانيا، و مقاربته مقاربة أكثر واقعية و اقل سوداوية من المقاربة السياسية التي تؤكد تغول شريحة واحدة على بقية الشرائح ، و المقاربة الاجتماعية التي تكرس التقسيم الوظيفي للقبائلية دون تقديم إبدال مناسب لتعطل وظائف بعض عناصر النسق الاجتماعي (الحراطين – لمعلمين …) ، أو المقاربة الإنسانية التي تسعى إلى حلول لا تضمن الاستمرارية و تركز على طرف واحد (الضحية) في النسق ككل و هو ما يجعل حلولها جزئية .

ما غاب عن بعض المهتمين بالفضاء الموريتاني هو أن صناعة الخطاب في مثل هذا النوع من المجتمعات لا تتم عموما من خلال النخب ، بل مفهوم النخبة نفسها يواجه الكثير من العوائق بسبب سيطرة التراتبية الاجتماعية و التي تحدد مسبقا مصادر استقاء المعلومة و منابع  التغيير في البنية نفسها ، كما أن النخب -الخاضعة للوصاية الاجتماعية – قد انقسمت إلى نوعين ، إما نخب نزلت إلى ساحة الصراع و الجدال و هو ما افقدها الحيادية المرجوة من النخبوي ، و بالتالي لم تعد قادرة على القيام بدور التحكيم. لذلك هي اليوم جزء من التأجيج فقط ، و نخب بقيت في أبراجها العاجية و لم تستطع فتح قنوات اتصال مع الشرائح و ساحات “النضال” و بالتالي هي نخب إما تنظر لنفسها أو للغرب و خطاباتها بالعادة ليست موجهة للساحة المحلية على الإطلاق .

قد يكون من المبرر الخوف من تطور حالة الطوارئ التي عرفتها موريتانيا اثنيا في السنوات الماضية ، و لكن الواقع يقول إن مؤشرات التوتر تسير إلى الانخفاض ، و لا يعني هذا أن المسألة قد حلت ، ولكن المرحلة التي مرت بها موريتانيا هي حالة انتقال طبيعية ، و مرحلة مراهقة و مشاكسة اجتماعية أساسية في تشكيل الأمة ، فمن المهم أن تعيش مختلف الشرائح حالة الوعي بالذات و إدراكها مقابل الأخر الذي إن كان مناقضا في الشكل و اللسان إلا انه حتما شريك في الوطن ، و يجب بناء الثقة معه في سبيل السير نحو التعايش ، الذي يعد هو معيار البقاء للأمة الموريتانية “التي حسب رأي توصف امة تجاوزا “و لذلك بسبب شبه الفشل في نحت شكل الدولة التي تريدها مختلف الشرائح .

إن مسألة بناء أمة (مجموعة من الناس تجمعها ثوابت ثقافية و اجتماعية معينة) ، هي المرحلة القادمة حتما ، و هو ما يجعل التعايش ضرورة لا مناص منها ليس لشيء إلا أن الفضاء الموريتاني هو فضاء تكاملي و همزة وصل بين شمال و غرب القارة الإفريقية و كذلك المنطقة العربية ، و لكن التعايش نفسه يحتاج إلى خلق خبرة جيدة في مجال التحكيم لتفادي النزول للشارع[ الكل ضد الكل] و بدون وسيط محلي ، مع إثبات الوسيط الدولي و الإقليمي فشله في كل أنحاء العالم و في مختلف الأزمات من البوسنة إلى اليمن اليوم .

المؤشر المهم الآخر بعد التعايش و التحكيم هو الثقة ، و مع أن الثقة هي التي يرد لها الفضل في حالة  الوضعية (بالمعنى العلمي الاجتماعي و السياسي) التي يعيشها المجتمع الموريتاني  ، إلا أن هذه الثقة الأولية (على لغة دوركايم)  القائمة على أسس اجتماعية و قرابية قد لا تصمد طويلا خاصة أن الشرائح الاجتماعية في موريتانيا تشهد ميلاد أجيال  اقل إيمانا بما هو قبلي أكثر من أي وقت مضى .

إن حل أي مشكل هو عملية إرادة جمعية من كل المكونات و الشرائح و بحضور الجميع ، إلا أنه بغياب التحكيم و الثقة يصعب على أي مجتمع الوصول إلى مرحلة التعايش كمرحلة طبيعية للوصول إلى الدولة فالأمة ، و التين تعدان مسالة أساسية لبناء مواطنة الحق و الواجبات و التي أصبحت مطلبا ملحا في موريتانيا يجب تحقيقه و الآن ، و التين يضمن قيامهما (الدولة – الأمة) إفراغ الشريحة من حمولتها العرقية و الاجتماعية و أن تتحول إلى مجرد مفهوم اقتصادي في إطار مجتمع الطبقات المفتوحة .