عبد الباري عطوان/ لماذا أشاد السيّد نصر الله في خِطابه الأخير بعُلماء السنّة في العراق ودورهم في وأد الفتنة الطائفية؟

خميس, 07/13/2017 - 01:26

لماذا أشاد السيّد نصر الله في خِطابه الأخير بعُلماء السنّة في العراق ودورهم في وأد الفتنة الطائفية؟ وهل نحن أمام خريطة “شرق أوسطية” جديدة بعد انهيار “الخلافة” في المُوصل؟ ولماذا تُعارض إيران التفاهم الأمريكي الروسي جنوب سورية؟ إليكم قراءة تحليليّة لاستشراف المُستقبل

 

 

 

 

ربّما كان تزامن استعادة القوّات العراقية لمدينة المُوصل مع الاحتفال بالذّكرى الحادية عشرة للانتصار الكبير على العُدوان الإسرائيلي على لبنان في تموز عام 2006 من قبيل الصدفة المحضة، ولكن الربط بين الإنجازين يعكس بروز المحور الإيراني في المنطقة، وتحقيقه وحُلفائه المكسب تلو الآخر على جبهات عدّة.

في خطابه الذي ألقاه بهذه المناسبة، حرص السيد حسن نصر الله، زعيم المُقاومة اللبنانية للاحتلال الإسرائيلي، على الإشادة بانتصار القوّات العراقية في الموصل، في وجه “الدولة الإسلامية” أو “داعش”، وقال “أنه انتصارٌ عظيم وكبيرٌ جدًّا، وإن حاول البعض التقليل من أهميّته”، وأضاف في لفتة مُهمّة “نُسجّل للقيادات السنية في العراق موقفها الاستثنائي من الحرب ضد داعش”، مُؤكّدًا “أن ما عطّل الفتنة في العراق هو الموقف الشجاع لعلماء السنّة”.

هذا الاحتفال بالانتصارات من قبل أركان المحور الإيراني في العراق وسورية ولبنان، يأتي في وقت يتراجع المحور السعودي ومشروعه لغرقه في أزماته الداخلية أولاً، والتوتر الخليجي وعُنوانه القطري واليمني على وجه الخصوص.

 

***

الحزام الإيراني الذي يمتد من مزار شريف في أفغانستان حتى الضاحية الجنوبية على شواطيء المتوسط في لبنان مُرورًا بالعراق وسورية، يزداد ترسّخًا وتعزيزًا في ظل ضعف تماسك المحور المقابل، وخسارته في مُعظم الجبهات، في سورية والعراق واليمن، فهذا الحزام يعتمد على “شرعية” المُقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، وهذا من أبرز أسباب نجاحه، بينما يعتمد المحور السعودي على “تشريع″ التطبيع مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وهُنا يَمكن الفرق والفارق.

السيد نصر الله كان مُحقًّا في امتداحه لموقف القيادات السنية العراقية ودورها في منع الفتنة، وهذه خطوة ذكيّة تعكس الخوف من نجاح مُحاولات مُتوقّعة، إقليمية ودولية، لتفجير أزمة طائفية سنية شيعية على أرض العراق، يكون عُنوانها تشكيل فصائل مُسلّحة جديدة تملأ الفراغ الذي سينجم عن اختفاء “دولة الخلافة” وتنظيم “الدولة الإسلامية”، وتتجنّب الأخطاء التي ارتكبتها الأخيرة.

النهج الإيراني في تشكيل قوى عسكرية غير نظامية، وغير تقليدية، تكون نُسخة لنموذج الحرس الثوري الإيراني، بات يترسّخ ويتوسّع، ويُعطي ثماره، فبعد نجاح تجربة “حزب الله” في لبنان، ها نحن أمام قوّة عراقية مُوازية، تتمثّل في “الحشد الشعبي” الذي لعب دورًا كبيرًا في هزيمة “الدولة الإسلامية” في المُوصل.

في الوقت الذي نتحدّث فيه عن بعض القواسم المُشتركة بين نموذجي “حزب الله” في لبنان، و”الحشد الشعبي” في العراق، لا يمكن تجاهل بعض الخلافات، وهو أن الأول (حزب الله) كان أقل طائفية، وأكثر تسامحًا، وانضباطًا، وإن كان الثاني، أي الحشد الشعبي، تميز في الوقت نفسه، بوجود قيادات ومُقاتلين من أبناء الطائفة السنيّة العراقية في صُفوفه.

وإذا كانت الولايات المتحدة وقوّاتها التي غزت العراق واحتلته قد تباهت بإقامة “العراق الجديد” على أنقاض حُكم البعث العراقي القومي العابر للطوائف، فإننا قد نجد أنفسنا أمام “العراق الأجد” بعد استعادة الموصل، يستعيد دوره الإقليمي كقوّة رئيسية، تحت مظلّة المحور الإيراني السوري.

السيد نصر الله اعترف بأن هناك من يُحاول التقليل من أهمية “انتصار تحرير الموصل” بشكلٍ مُوارب، وكنّا نتمنّى لو أنه تطرّق في خطابه إلى المخاوف الموجودة لدى الكثير من العراقيين والعرب أيضًا، من انجراف “العراق الأجد” إلى خندق الطائفية، والنزعات الانتقامية الثأرية، وهي نزعات موجودة عبّرت عن نفسها في أكثر من حادثة، وإن كان يراها البعض فردية ومحدودة.

المنطقة العربية مُقدمة على إعادة صياغة إقليمية جديدة لخريطتها السياسية والجغرافية أيضًا، بالنّظر إلى الترتيبات المُتسارعة في سورية، والدور الروسي المُتزايد، وسُقوط مُعظم النظريات التي كانت تُراهن وطِوال السنوات الست الماضية على سُقوط النظام.

العصر الذهبي الذي قاد فيه المال الخليجي للمنطقة العربية طِوال العقدين الماضيين بدأ يتآكل بشكلٍ مُتسارع، ليس لانخفاض العوائد النفطية، وتبخّر مُعظم الاحتياطات المالية، وإنما أيضًا بسبب المُخطّطات الأمريكية لنقل الاضطرابات وعدم الاستقرار إلى منطقة الخليج، والاستعداد لبدء المُحاكمات لدول ثلاث في المنظومة الخليجية (السعودية وقطر والإمارات) بتُهمة رعاية الإرهاب، وهُناك 15 قضية مرفوعة أمام المحاكم الأمريكية ضد هذه الدول لتورّطها في هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، وقد تصل قيمة التعويضات لأهالي الضحايا إلى أكثر من ثلاثة ترليونات دولار.

 

***

نعترف بأنّ مُعظم الحروب ومُخطّطات التفتيت التي تجتاح المنطقة حاليًا تصب في مصلحة إسرائيل، ولكن على المدى القصير، لأن التغييرات التي أشرنا إليها في مُعادلات القوّة الجديدة، تُشكّل خطرًا وجوديًا عليها، وأكثر ما تخشاه إسرائيل حاليًا هو وصول أذرعة إيران العسكرية غير التقليدية إلى حدودها في جنوب سورية، ونقصد بهذه الأذرع، حزب الله والحرس الثوري، وقوّات الحشد الشعبي، وعدم رضا إيران على التفاهمات الأمريكية الروسية لوقف إطلاق النار في جنوب سورية أحد المُؤشّرات في هذا المضمار، ممّا يجعلنا نكاد نجزم بأنّ فُرص نجاح هذه التفاهمات وصُمودها أمرٌ مشكوكٌ فيه.

احتفاظ مصر بعلاقاتها مع سورية، وتهنئة وزارة خارجيتها للعراق بانتصار المُوصل، وانخفاض حدّة الحملات الإعلامية المصرية ضد إيران، رغم انخراط القاهرة في الحلف الرّباعي السعودي الإماراتي البحريني ضد قطر كلها عوامل تُوحي بأنّها لا تريد وضع كل بيضها في سلّة السعودية المَخرومة.

المنطقة الشرق أوسطية تقف أمام تغييرات قد تضعف الهيمنة الأمريكية إن لم تكن ستُنهيها، وتُصحّح الخلل في موازين القِوى لمصلحة المِحور المُنتصر.. والأيام بيننا.