هلا شققت عن قلبه... أيها الشيخ!!

سبت, 05/06/2017 - 14:14

من الغرابة بمكان’وربما من المؤسف حقا ’إن لم نقل المحير أن نرى بين الفينة و الأخرى أحد فضلاء المشايخ ’وعبر الشاشات مرابطا’مطلا من هذه  القناة أو ضيفا على تلك’عن السنة والجماعة يصول و باسمها يتحدث’يصبح مكفرا لغيره حينا’ومقصيا لمن لا يوافقه هواه’بلا سبب شرعي أو ضرورة ظاهرة للعيان على الأقل من وجهة نظري’مما يستدعي في هذا المقام نقاش بعض فتاويه الجد يدة ـ القديمة ’التي لاحقت المسلمين وهم موتى بين يدي ربهم في قبورهم’أو شهداء في أجواف الوحوش و كواسر الطير’وان أخذ الأحياء منها بنصيب ... ولن أعرض للأفكار ولو إلى حين .

سنتحدث هنا عن الشيخ المحترم محمد الحسن ولد الددو وعن بعض آرائه الفقهية وبعض فتاويه في حق الراحل معمر القذافي ’الشيخ الذائع الصيت الذي سبق لي أن شاركته الحجة مؤديا عن نفسي فريضة الحج’ وهو من صلى بنا إماما بعرفة الظهرين جمعا 1424هجري . و كتبت عنه مدافعا بعد ذالك وهو السجين في عهد الرئيس الأسبق ولد الطايع ’في مقال لي تحت عنوان "يوميات حاج" نشر يومئذ في إحدى الصحف الصادرة بانواكشوط ’إلا أنني لم أعد أذكر تاريخ النشر بالضبط و أظنه بنفس السنة 2003م ’ في وقت توارى فيه الكثيرون ولاذوا بالصمت ’وهو مما أعده من أضعف الإيمان .

ورغم اختلاف المشارب وكذالك المآرب في الغالب ’إلا أن المبادئ بالنسبة للعبد الفقير تعلو على ما عداها ’ خصوصا عندما يتعلق الأمر بما نراه حقا وعدلا. ولذالك كان موقفي جليا من الانقلاب بالعزيزة مصر ̶ مثل موقفي من كل انقلاب ̶   و الإطاحة بالرئيس المنتخب الدكتور محمد مرسي ’ وفتح السجون وإسقاط الثورة ’  في مقالات رأي منشورة ’ اعتبرت فيها ما حصل على يد الجيش مرفوض ولن يخدم شعب مصر’و إن ادعى الجنرال السيسي و أبواقه خلاف ذالك ’ دون أن نضع في الحسبان الاختلاف في الرأي مع الإخوان المسلمين من عدمه’بقدر ما أدنت في الماضي و أدين تحويل السيد أردوغان بلده تركيا إلى سجن كبير لمواطنيه ’مما لن يبشر بخير عن تجارب الإخوان المسلمين في الحكم و في إدارة الدول ’إذ بلغ سجناء الرأي حتى الآن 260000سجين تركي ’و بمختلف الذرائع ’ وضعف العدد المذكور من المفصولين عن وظائفهم من نساء و رجال ’  فقط منذ أقل من سنة ’ ذنبهم الوحيد أنهم يخالفونه الرأي.

ومن المفارقات العجيبة أنه وقبل المؤامرة الوشيكة’وفي وقت كان فيه عشرات الشخصيات السياسية الموريتانية من نواب و رؤساء أحزاب و سواهم ممن يتبنون الدفاع عن التعددية السياسية و التناوب السلمي على السلطة ببلادهم يتقاطرون على ليبيا و منهم موافقون للسلطة القائمة و المخالفون ’ كل يبايع الزعيم الليبي مصفقا أمام الكامرات و عدسات التلفزة!! يغدون ويروحون في ذالك الوقت من فندق إلى آخر من فئة خمس نجوم في طرابلس’بينما كنت أنا ومن هنا أتأبط أوراقي في رحلة مضنية بين منابر نشر  بانواكشوط  لعلي أجد من يقبل بمقال غير مدفوع الأجر أتناول فيه أسرة القذافي الحاكمة لأربعة عقود طويلة ’ ومن ثم توريث الكرسي والبلد لبعض ولده ’ مستنكرا ومنددا و منوها بحق الشعب الليبي الشقيق في الكرامة و الحرية معا

 

وقد نشرت المقالة التي اتسمت بقدر كبير من الجرأة ’ و كسرت جدار الصمت محليا بإحدى الصحف المستقلة ’ بالطبع بعد أن اعتذر البعض الآخر عن نشر الموضوع لأسباب مفهومة ’ و لعل بعضها يعود إلى أن مهاجمة الزعيم الليبي أو نقده ولو من منبر خاص ليست رياضة سهلة ’ لما قد تجلب من حرج للسلطة الموريتانية في ذالك الوقت وما قد يترتب عليه من إغضاب سفارة الجماهيرية ’ وما يتأتى عن ذالك من تبعات لا تحمد عقباها... !!

و غني عن القول ربما للكسل المبرر وانعدام ̋ الخبرات ̋ اللازمة ’ أو "لسوء الحظ"و لله الحمد أنني لست ممن يتعهدون أو تتعهدهم السفراء ولا السفارات ’ ولا من أولئك الذين يحجون إلى هذه العاصمة أو تلك للبيعة و تقديم آيات الولاء ... ممن على كل ضامر يأتون ’ ومن كل فج عميق ... و يعودون خفافا و ثقالا... ونخص هنا بالذكر من بين من اشرنا إليهم من اختفوا من على شاشات الرادار ولم نعد نرى أو نسمع أحدهم ينبس ببنت شفه ’ و منهم المفوهون... في الرد عن و على من كفروا إمامهم و "قائدهم المفدى" وفيهم الرئيس و الوزير و أصحاب الرتب و منهم السفير و ذوو الحاجات.. و حتى الفقيه و شيخ الطريقة المورود’  رغم أن فتاوى التكفير  ما برحت تترى.

فتاوى تكفير و نهج كثيرا ما لجأ إليه الشيخ محمد الحسن ولد الددو حيث قرر المعني و أعاد و لأكثر من مرة فتاوى شديدة الغرابة و الإنتقائية في الظرف و المكان و الزمان ’ في حق رجل و امرئ مسلم  كما أسلفنا يدعى معمر القذافي وكما نعلم كان قد اغتيل على يد الصهيونية العالمية و المافيا الدولية و أذنابها ’ و مات و بشهادة العدو قبل الصديق مشرعا سلاحه في وجه الغزاة ’ مجاهدا عدوه ’ و أعداء الإنسانية و الإسلام و كل الأديان ’ و كان سبب موته المباشر قصف جوي مشترك عدواني بصواريخ طيران أمريكي بريطاني فرنسي في محيط مدينة سرت الليبية’ الثامنة صباحا بتاريخ20أكتوبر 2011م في وقت كان غادر فيه خندقه الساعة الرابعة فجرا بعد أن أدى صلات الصبح إماما للمجاهدين الليبيين المرافقين وهم خمسمائة فرد ’ و كان ذالك بشهادة الأسير ابن أحد القادة الشهداء و رفيق القذافي منذ البداية الجنرال يونس بو بكر جابر. و المعلومات المذكورة موجودة على المواقع الإلكترونية الدولية.

كانت كل تلك الجرائم بحسب السيناريو المقرر’للحملة الدموية على ليبيا التي لم تكن من أجل سواد عيون الشعب الليبي المسلم  الضحية ’ ولا حتى في سبيل الله ’ وإنما للنفط الليبي و سواده ’  و تلصصا و سطوا مسلحا على أرصدته الضخمة و ثرواته ’ إذ أنه في19\03\2011 دعا الفاسد ساركوزي ’ الرئيس الفرنسي السابق إلى اجتماع بباريس ضم أربعين دولة من بينها قطر ’ و انطلقت الحملة العسكرية الجوية الشاملة في نفس اليوم على أبناء المدن الليبية و على المصانع و المدارس و المستشفيات و الثكنات العسكرية ’ في عملية تدمير ممنهجة حاقدة ’ عنوان الحملة الصليبية كان "بمامعناه (الحماة الموحدون)!! و كان حاميها حراميهاprotector unified "

   في الحقيقة كانت الحرب على ليبيا بإلحاح و فتوى صهيونية من اليهودي برنار هينري ليفي ’ و كان ساركوزي نفسه لأم يهودية ’ رؤوس الحملة الثلاثة  قادة الناتو˸ أوباما ’ كاميرون ’ و ساركوزي ’    

و النتيجة كانت حرب إبادة لشعب مسلم و تدمير مقدرات بلد عربي أساسي ’ و خسارة كبرى للأمة الثكلى ونزيف قارة ’ وتأجيج فتن قبلية و طائفية و عرقية لا تبقي ولا تذر.

 ولا شك أن الشعب الليبي له الحق كل الحق في الثورة و الحرية و اختيار حكامه بالطريقة التي يراها مناسبة و تخدم مصالحه ’ لكن الأمر هنا  يتعلق بغزو أجنبي لدولة مستقلة و اغتصاب ونهب في وضح النهار ’ لذالك لن نكون في صف حلف الناتو ولن نتخلى عن من قاوموه وأشهروا في وجهه السلاح وفي  مقدمتهم القذافي  ولن تغير عندنا فتوى الشيخ المثيرة للدهشة من الأمر شيئا’  الفتوى التي لا يمكن تأويلها أو فهمها إلا إذا أدرجناها ضمن سياق منطقي آخر هو عداوة الإخوان المسلمين المتجذرة للشهيد و زملائه الذي بلغ بهم إلى حد الإمتناع عن دفنه و مواراته الثرى’ تأسيا ربما بفعل ابن آدم الأول بأخيه...لولا إلحاح من الغراب الأطلسي الناعق ! متعللين بحكم "لجنة الفتوى"بأن العقيد القذافي غير مسلم !! و لعلها مصادفة ها هنا لا تخلو من معنى في تقاطع الفتاوى ’ فالشاعر يقع على الشاعر كما يقع الحافر على الحافر !        

وهو ما يعيد إلى الأذهان  شماتة الإخوان المسلمين مشايخا و قادة ببلادهم و في منافيهم غداة هزيمة مصر و ضياع الأرض 1967م!!! و كان ممن أعلنوا بذالك  الدكتور محمد الغزالي ’ الشيوخ ˸ الشعراوي ’ كشك ’ عمر عبد الرحمان... و الأخير أفتى ̶ الفتوى سهلة في ما يبدو على ألسنة إخواننا!̶ عند موت جمال عبد الناصر بحرمة الصلاة عليه! و عمر عبد الرحمان هو الشيخ الضرير الذي توفي بسجنه الأمريكي قبل أشهر.

و لعلهم في منهجهم هذا لا يخرجون عن فقه أبي حمزة الخارجي شيخ الأباضية ’ المذهب الشائع في  ليبيا’ و إن استمدوا من فقه الجزيرة العربية و شيخ نجد ’محمد ابن عبد الوهاب’ هذا إن لم يحيلونا  إلى اجتهاد "الجزيرة"المحطة القطرية ’ لما للدوحة و للفضائية الأخطبوطية من حضور في الحرب الأهلية الليبية و في الغزو ’ و فتاوى الشيخ القرضاوي مشهورة في هذا الصدد ’ في إهدار الدم الليبي و إباحة الغزو الذي خلف 150000ضحية ماتوا ’ ناهيك عن الخراب و الدمار ’ ضف إلى ذالك 14000إفريقي مهاجر قضوا إما تحت القصف الغربي الآثم أو ضياعا في الصحاري و غرقا في البحر الأبيض المتوسط الذي صار بحر دماء و دموع.

خلاصة القول أن الإسلام السمح و نبيه محمد ابن عبد الله و صحبه بريئون من التكفير و فقهه سنة و إجماعا ’و تكفير المسلم للمسلم لم تعرفه الأمة قبل  قتل الخليفتين الراشدين عثمان وعلي على يد الخوارج ’ لسوء فهمهم للدين ’ فلم يعلم عن الرسول عليه الصلاة و السلام تكفير لمسلم ’ و على  العكس من ذالك فالنبي هو من قال لأسامة ابن زيد عندما قتل ذالك الرجل الذي شهد شهادة الحق نافيا عنه الإسلام "هلا شققت عن قلبه!!" و لقد صلى رسول الله صلى الله عليه و سلم على جنازة عبد الله بن أبي ابن سلول ’ كهف النفاق ’ و استغفر له أكثر من سبعين مرة ’ و ألبسه كفنا أحد ثوبيه الطاهرين ’ بطلب من ابن المعني وهو صحابي جليل.

و  عبد الله بن أبي ابن سلول هو من نكص عن النبي و صحبه بأكثر من ثلث الجيش يوم أحد قبل ذلك ’ موليا ظهره لقتال العدو ’ فلا رسول الله أمر بقتل ’ ولاهو نعت بتكفير لأي من القوم ’ و لم يمنعوا مسجدا ولا حضور جماعة قط.

 لا... أيها الشيخ نحن و من الآن سنفترق حتما بشأن الفتوى... اضطرارا لا اختيار ا ’ وربما فقها و مرجعيات’ إن لم تكن الأسوة الجامعة في تعليل و تبرير الأحكام سيرة رسول الله و الخيرة من الصحب و التابعين الأعلام’ و قد فاجأني أيها الشيخ الفاضل و لا أكتمك سرا هنا ما اطلعت عليه في ثنايا بعض أحاديثكم ’ قولكم أن الأئمة مالك ابن أنس الأصبحي ’ ومحمد ابن إدريس الشافعي’ أئمتنا و هم ركائز أهل السنة و الجماعة تجاوزهما الزمن بالنسبة لكم !! و على كل’ أقول لكم و أنا مشفق’ دعونا فنحن معهم باقون و إن تجاوزنا و لحسن الحظ الزمن الرديئ... ’نقف حيث وقفوا... ’ هذا إن كان حال الأئمة كما زعمتم "ابكينا عنكم " بلى... لأنهم في منظورنا كانوا و ما زالوا و سيظلون مصابيح هدى و الحصن الحصين و صمام الأمان في وجه عواصف الزيغ و الضلال ’و طوفان البترو دولار’ شرورا و حروبا و مذاهب.

أيها الشيوخ الأفاضل لا يجوز تكفير المسلم و لا المسلمة في غمرة لقاء عارض أو ضمن ظهور تلفزيوني ما ... ’ و ليسعكم أيها الشيخ المحترم ما وسع خيار السلف الأول رضوان الله عليهم و التابعين بإحسان.

و مما يعزى للإمام مالك  رحمه الله "لا تأخذوا دينكم عن صاحب هوى" أي ممن ينتمون إلى هذه الأحزاب و التيارات و الملل’ و يتشيعون إما لهذا و إما لذاك... و لقد صدق لعمري الإمام.

و قال النابغة الغلاوي في هذا المعنى و هو العلامة الشنقيطي˸

 هذا و إنه من الكبائر          حكم بتكفير لغير كافر

... و قال إن الكفر أمر هائل        أعظم به مما يقول القائل

.... وخطأ في ترك ألف كفرة       أهون من إخراج مسلم بره

و مجمل القول في العقيد القذافي في رأينا واعتقادنا أن نهايته كانت نهاية ثائر... ’ مات ميتة الأبطال الشرفاء ’ شهيدا مدافعا عن دينه و عرضه و وطنه ’ سالكا طريق الخيار...’ حمزة ابن عبد المطلب سيد الشهداء ’ عثمان ابن عفان ’علي ابن أبي طالب و عقبة بن نافع... وعلى غرار  سيد احمد ولد عيده ’ يوسف العظمة ’ المامي الساموري ’ عبد المنعم رياض ’ صدام حسين ’ خليل الوزير’ العربي بن مهيدي و المهدي بن بركة... و القائمة تطول إلى  آخرين لم ينهنا الله عنهم ’ بل أمرنا ببرهم... من أمثال باتريس إيمري لومومبا ’ تشي غيفارا ’و سلفاتور اليندي...

كلا... أيا الشيخ فالقذافي ليس كما تقول...  و هلا شققت عن قلبه!

محمد ولد أماه