موريتانيا: التفاؤل والتشاؤم والتطير… مسلكيات غريبة تنتظم عليها حياة الكثيرين

خميس, 04/28/2016 - 01:07

«كلنا شئنا أم أبينا مسكونون بسلوك داخلي قائم على ثنائية التفاؤل والتشاؤم وعلى معتقد التطير والطيرة، ويكون هذا السلوك قويا في أحدنا ويكون متوسطا في البعض ويكون ضعيفا غير محسوس في البعض الآخر».

بهذا لخص الشيخ شعيب ولد العالم الطبيب الروحاني الموريتاني لـ«القدس العربي» أثناء نقاش حول هذه الظاهرة، تحليله لمعتقدات التفاؤل والتشاؤم واستكناه الغيب والتطير التي هي سلوكيات مترسخة في مجتمعات الصحراء بخاصة ومترسخة بعامة في جميع المجتمعات البشرية.
وحسب ولد الشيخ فإن «الناس ترغب في صحبة الشخص المتفائل أكثر من صحبة الإنسان المتشائم، كما أنهم يودون سماع الأخبار والأحاديث المتفائلة، ويهتم الكثيرون للمرائي والأحلام التي يعتبرونها بوابة الإنسان على العالم المغيب عنه».
وفي الحياة اليومية، يلاحظ ولد الشيخ، أن «الموريتانيين من أكثر شعوب الأرض تطيرا، فمنهم من إذا خرج من بيته يتفحص أول من يسلم عليه ويسأله عن اسمه فإن كان إيجابيا مثل «سالم» و«السالك» تفاءل خيرا، وإن كان سيئا مثل «نار» أو «أبو جمرة» انقبض وتشاءم» ومنهم من إذا ناداه أحد بعد خروجه غضب ورجع إلى بيته حتى ينطلق مرة أخرى بدون نداء». 
وفي السياق نفسه تقول الباحثة الاجتماعية العراقية د. فضيلة عرفات «إن للتفاؤل والتشاؤم مظاهر ومؤشرات جمة لدى المصابين بداء التطير فهم يتفاءلون من رؤية قطيع الغنم فهو من الغنيمة، أو رجفان الحاجب الأيسر، أو رؤية من يحبون صباحا فيعد ذلك النهار سعيدا، أو من رؤية الهلال أول ما يهل، أو وقوع الصحن وكسره، ويتشاءمون من سماع صوت الغراب لأنه غراب البين». 
ومما سجل من حالات التطير تفاؤل البعض بعبارات معينة فرؤية قطيع الماعز يفسرها أنها من العزاء ، ومنهم من يتشاءم لوجود الصحن المكسور أو المرآة المكسورة أو المقص المفتوح في البيت، أو لبس المرأة لثياب سود لغير حزن».
ومن الموريتانيين من لا يكنس المنزل عند المغرب، ومنهم من لا يعد الأشياء لأن ذلك يقلل البركة، ويتطير الكثيرون من انقلاب الحذاء، وتقليم الأظافر ليلا، ومنهم من لا يتناول الأدوية يوم الجمعة ولا يغسل ثيابه أبدا يوم السبت ولا يقلم أظافره إلا بعد عصر الخميس». ويعتقد الكثيرون «أن لبعض الأعداد دورا في حياتهم فمنها جالب الضرر ومنها جالب الخير، ويضرب المثل بالعدد 13 في النحس فهو يمثل ظاهرة عالمية حيث يعتقد الكثيرون أن اليوم أو البيت أو الشيء الذي يحمل هذا الرقم يصاب فيه الإنسان بالضرر».
ويقول محمد سالم ولد عبد المؤمن «أن الأقدمين اعتنوا كثيرا بتفسير التفاؤل والتشاؤم وهم مجمعون على أن الناس في ذلك ينقسمون إلى طبائع أربع بينها الصفراء وصاحبها متقلب المزاج، والسوداء وصاحبها يميل إلى الحزن، وبينها الطبيعة الدموية وصاحبها يتميز بالأمل فـي الحياة». 
وقد عرف العرب منذ القدم التفاؤل والتشاؤم والتطير، فقد كانوا يحكمون على كل طائر بحكم فالزائر الذي يمر على اليمين محمود وميمون، والبارح الذي يمر على اليسار مذموم ومشؤوم».
ويؤكد الباحث الاجتماعي محمد ولد احمياد «أن للتنشئة الاجتماعية من لغة وعادات وقيم، دورا كبيرا في نشأة المفهوم، فالمواقف الاجتماعية المفاجئة تجعل الفرد يميل في الغالب إلى التشاؤم والعكس صحيح إلى حد بعيد». 
«مهما يكن ما نحن فيه، يقول الباحث، علينا ألاّ نيأس أبدًا وأن نسعد بحياتنا على ما هي عليه، فالله قادر على أن يحول الخوف إلى أمن، والفقر إلى غنى، والذلة إلى عز، ولا حالَ يدوم».

 

القدس العربي