"رئيس" مجلس الإدارة

ثلاثاء, 10/06/2015 - 18:25

تعاني أغلب حكومات العالم الثالث حساسية مفْرطة اتجاه النقد الخارجي، خاصة إذا أتاها من مَأمَنٍ تظن أن لها به علاقة تحميها من خرجاته الدبلوماسية والإعلامية غير الودية. وتعاني تلك الحكومات فشلا متكررا فى تعامُلها مع  تلك الخرجات، فهي تواجهها بأسلحة تقليدية يستخدمها جنود منهكون يدافعون عن الباطل بالباطل. قبل فترة وجيزة،

وبالشراكة مع الإتحاد الإفريقي، كلف البنك الدولي مجموعة خبراء يرأسها مسؤولُ وحدة النفط والغاز الطبيعي والمعادن فى البنك، الدكتور/باولو دسا/ بإعداد خريطة للثروات الطبيعية لإفريقيا، أطلق عليها اسم " خريطة المليار دولار" فى إشارة إلى المبلغ الذي قرر البنك استثماره على مدى خمس سنوات لإحصاء الثروات الطبيعية للقارة، وفرص الإستثمار التي تتيحها، و التحسن المؤمل فى الظروف الحياتية لمواطنيها المطحونين بالفقر والجوع. الخريطة يراد لها أن ترد على سؤال جوهري: هل ستساعد إفريقيا ثرواتُها الطبيعية الكامنة على بلوغ التنمية المستدامة ؟ أم أن اكتشافها واستغلالها سيكرسان سياسة النهب الممنهج لتلك الثروات من طرف الحكام والشركات متعددة الجنسيات؟

فريق /باولو دسا/ الذي – بالمناسبة- لا يضم ناشطين فى أية معارضة إفريقية، ولا صحفيين فى جريدة "لموند" الفرنسية، تأكدت لديه خلاصة أن " سوء الحظ ليس فى عدم اكتشاف واستغلال الثروات الطبيعية الإفريقية... إنه كامنٌ فى سوء السياسات العمومية المطبقة فى البحث والتنقيب والإستخراج والإستغلال". فهل يمكن الجزم – على ضوء هذه الخلاصة- بأن موريتانيا حافظت فى "السنوات الأخيرة" على خطها الإفريقي الذي يجعل من المسؤول الأول – غالبا- رئيسا لمجلس إدارةِ تقاسُمِ الإنتاج مع الوسطاء والشركاء، فيتحول من ضامن للمصالح العليا والعامة للبلد إلى مسارع متلهف للثراء الفاحش وغير المشروع؟

 

ما كشفته صحيفة "لموند " الفرنسية العريقة والجادة من وجود رشوة واستغلال للنفوذ المتبادل بين الحكومة الموريتانية وشركة "تازيازت" للذهب يذكرني  بقصة تتداولها بعض الأوساط المالية والإستثمارية حول مستثمر عربي له شركاء أوروبيون قدمه وسيط محلي إلى رئيس إفريقي- عربي ، فسأله الرئيس فى نهاية لقاء حافل بالتفاصيل حول النسب المئوية للعمولات وإدارة المشروع :  هل أجرْتم مقرا للشركة أم لا؟ لا يا فخامة الرئيس... جيد...سوف أتصل الآن بشخص يؤجر لكم مقرا مناسبا...آلو....

حبس المستثمر العربي أنفاسه حتى أنهى الرئيس مكالمته مع المؤجِّر... وغادر القصر الرئاسي مباشرة إلى المطار حيث ترابط طائرته الخاصة، واتصل بشركائه فى الفندق طالبا منهم الإلتحاق به على جناح السرعة...ليخبرهم - والطائرة تغادر أجواء البلد الإفريقي العربي- بأن بلدا رئيسه وسيط عقارات لا يستثمر فيه إلا مجازف مجنون. مقال جريدة "لموند" وقبْلها وسائل إعلام محلية موريتانية حول تسيير الشأن العام يجب أن ترد عليها الحكومة الموريتانية بسلاح من نوع "الإتهام"، أي بالحجج الدامغة، لا بالإلتحاف برداء "نظرية المؤامرة"، أو التعنت الساذج الذي يلخصه مثلنا الشعبي فى منطق "سارق وزعيم". إننا نعيش عصر "كشف المستور" والكتب حول موضوع نهب الثروات فى إفريقيا تحقق أكثر المبيعات اليوم، ولعل آخرها وأهمها كتاب ((توم بيرغش)) المشهور : (( ماكينة النهب: أمراء الحرب، أباطرة التهريب والسرقة الممنهجة لثروة إفريقيا)) الصادر فى شهر فبراير الماضي باللغة الإنجليزية والذي ستصدر منه قريبا طبعة فرنسية مزيدة ومنقحة. فى الطبعة الإنجليزية يؤكد (( توم بيرغس)) أن  " المستفيدين من الثروات الطبيعية فى إفريقيا هم من الطبقة السياسية الحاكمة، والمؤسسات العسكرية، والوسطاء العابرين للقارة، وكبار رجال الأعمال، والشركات متعددة الجنسيات". فأين الشعوب من هذا؟ - See more